قطاع الكهرباء... بين غياب الرؤيا الشاملة وعدم الالتزام بالقانون 462

-A A +A
Print Friendly and PDF

 

قطاع الكهرباء... بين غياب الرؤيا الشاملة

 وعدم الالتزام بالقانون 462

 

د. مازن سويد

 

نشرت صحيفة النهار في 28 تموز 2012 مقالة للخبير الاقتصادي مازن سويد عن اسباب المعضلة في قطاع الكهرباء في ما يلي نصها :

يتصدر في هذه الآونة موضوع عمال المتعهد والعمال المياومين في قطاع الكهرباء وسائل الإعلام المختلفة، ويشكّل التحرك اليومي لهؤلاء العمال وتصعيدهم المتزايد، بنتيجة الملابسات التي أحاطت إقرار قانون تثبيتهم، ليشكل حدثاً يجب التوقف عنده، والتفكير ملياً بالأسباب التي أوصلت قطاع الكهرباء إلى ما وصل إليه وبالتالي محاولة الوصول الى المخرج من هذا المأزق الذي دخل فيه هذا القطاع وأدخل معه الاقتصاد الوطني ككل وتداعيات ذلك كله على الاستقرار والسلم الأهلي.

 

لقد صدر قانون تنظيم الكهرباء  462 في أيلول 2002 أي منذ ما يقارب العشر سنوات. ولقد حدد هذا القانون القواعد والمبادىء والأسس التي ترعى قطاع الكهرباء، بما في ذلك تحديد دور الدولة في هذا القطاع، والمبادىء والأسس التي تُنَظّمه وقواعد تحويله أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً (الإنتاج والتوزيع) إلى القطاع الخاص. ولقد نصّ هذا القانون على مبدأ استقلالية كل من نشاطات الإنتاج  والنقل والتوزيع بالإضافة إلى تحديد أصول الاستعانة بالقطاع الخاص وكيفية إعطاء ومنح التراخيص لقطاعي الإنتاج والتوزيع، ودور إنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء (الهيئة الناظمة)، وهي الهيئة التي لم تبصر النور حتى اليوم بالرغم من القرار الذي أصدره مجلس الوزراء في السنة الماضية والقاضي بتعيين أعضاء الهيئة في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر والسبب يعود في ذلك الى عدم حماسة الوزير المعني لانشاء هذه الهيئة وعدم رغبته في الالتزام بهذا النص القانوني.

 

تجدر الإشارة هنا إلى أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى كانت قد قطعت شوطاً هاماً على مسار تأسيس هذه الهيئة والمبادرة إلى تعيين أعضائها حيث أنها عمدت في هذا الخصوص إلى نشر إعلانات محلية ودولية لملء وظائف أعضاء الهيئة المنظمة لقطاع الكهرباء والتي تقدم لشغل مراكزها انذاك  عشرات الاشخاص. وقد بادرت الحكومة يومها إلى تعيين لجان متخصصة لإجراء المقابلات التقييمية مع المرشحين الذين يستوفون الشروط المطلوبة وقد تم بناء على ذلك وضع لائحة مصغّرة للمرشحين الذين كان من الممكن أن يتم تعيينهم. ولكن الأحداث والظروف السياسية والأمنية السائدة في ذلك الوقت حالت دون استكمال عملية التعيين واستمر الامر الى وقتنا هذا.

 

إنّ من صلب مهام هذه الهيئة هو تنظيم شؤون قطاع الكهرباء وتشجيع الإستثمار فيه كما وتشجيع الأجواء التنافسية في شتى جوانبه ومراقبة وضبط التعرفات وتأمين شفافية المعايير المعتمدة ومستويات الأداء في هذا السوق، كما وتحديد قواعد ومعايير منح التراخيص والأذونات. ومن نافل القول هنا أن إنشاء هذه الهيئة يعتبر شرطاً أساسياً لمشاركة القطاع الخاص في أنشطة الإنتاج والتوزيع. كذلك في التأكيد على والتثبت من الالتزام بقواعد الشفافية والتقيد بمعايير ترشيد الأداء.

 

بمعنى آخر، فإن الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء هو مفتاح الاصلاح في هذا القطاع لذلك فإن عدم المبادرة إلى إنشاء الهيئة المنظمة لقطاع الكهرباء دفع ويدفع القطاع الخاص إلى الإحجام عن الإستثمار في هذا القطاع نظراً لأن الهيئة تشكل الضمانة العملية للمستثمرين لجهة التزام الفرقاء المعنيين بمعايير الجدية والشفافية.

 

من جهة اخرى، فقد تبين وبنتيجة الممارسة حجم المشكلة التي وصل اليها هذا القطاع. ففي ظل هذه الحكومة تم تجاهل التوجهات الأساسية للقانون 462. وعلى ذلك أتت خطة عمل الكهرباء التي تقدمت بها وزارة الطاقة والمياه من مجلس الوزراء مجتزأة وقاصرة عن تقديم سلة الحلول الشاملة، ولاسيما وان تلك الخطة حاولت معالجة الجوانب الأساسية لقطاع الكهرباء بشكل انفرادي وبمعزل عن بعضها بعضاً ولم تقدّم حلاً شاملاً مترابطاً ومتماسكاً. قد قدّمت حلولاً آنية ومجتزأة في قطاعات الإنتاج والنقل والتوزيع ومجال تحديد انواع ومصادر الوقود. وهي قد افتقدت إلى تقديم الرؤيا الشاملة لتطوير هذا القطاع بما يتلاءم مع الحاجات المستقبلية للاقتصاد الوطني. وبالتالي لم تتمكن الحكومة من وضع الإستراتيجية الصحيحة بهذا القطاع في مختلف مجالات الإنتاج وانواع الوقود والنقل والتوزيع والتعرفة وبالتالي السير على هدى كل جانب من جوانب هذه الإستراتيجية. والدليل على ذلك ما رافق اقتراحات عملية تمويل القسم المتعلق بانتاج 700 ميغاوات جديدة. حيث أن طريقة تمويل إنشاء المعامل الجديدة من قبل الحكومة تم على أساس أن تتولى الدولة اللبنانية عملية الاستثمار وبالتالي أن يتم تمويل ذلك من خلال اللجوء إلى خزينة الدولة اللبنانية عوضاً عن أن يكون الاستثمار والتمويل من خلال القطاع الخاص.

 

فلقد أصرّ وزير الطاقة ومن خلفه الحكومة على استبعاد اللجوء إلى التمويل عبر القروض الميسرة من الصناديق العربية والدولية وهو الأمر المستغرب بل المريب لما يؤمنه هذا الأسلوب الميسر من التمويل من شفافية وتنافسية ويسر وخفض في الأكلاف ولاسيما مع توفر التمويل بمفعول رجعي Retroactive Financingمما يساهم في تخفيف الاكلاف على الخزينة وعلى مستوى الذين العام.

 

تجدر الإشارة إلى أن الصناديق العربية وعلى رأسها الصندوق العربي كانت قد أبدت استعدادها في أكثر من مناسبة ولاسيما في كانون الثاني من العام 2009 لتمويل معامل الإنتاج، كما وتمويل معمل لانتاج الغاز المُسال. ولقد قام خبراء الصندوق العربي بعدة زيارات إلى لبنان وعمدوا إلى إعداد مجموعة تقارير بهذا الخصوص معربين عن إستعداد الصندوق لتمويل إنشاء معامل لإنتاج الكهرباء. ولكن هذا العرض السخي جُوبه في أكثر من مناسبة بالرفض من قِبل وزير الطاقة والمياه الحالي وكذلك أيضاً من الوزير الذي سبقه والذي ينتمي الى التيار السياسي نفسه.

 

من جهة أخرى، فقد بقيت خطة الحكومة غير واضحة بالنسبة لتحديد انواع ومصادر الوقود لمعمل الـ 450 ميغاوات المُزمع إنشاؤه في الشمال، حيث أن استعمال مادة الفيول أويل لتشغيل هذا المعمل بدلاً من الغاز الطبيعي، تُسهم في تقصير عمر معدات المعمل وزيادة أعباء وأكلاف التشغيل والصيانة بالإضافة إلى الإنبعاثات السامة التي تلوث البيئة. لقد كان من المفترض أن يتلاءم العمل على إنشاء هذا المشروع مع العمل على تأمين مادة الغاز الطبيعي أكان ذلك  عبر أنبوب الغاز المصري عبر الاردن وسوريا أو مستقبلاً عبر المصدر الروسي والعراقي والقطري من الشمال وعبر سوريا أم كان ذلك من خلال إنشاء معمل للغاز المُسال في منطقة البداوي. وبالتالي فإنه لم يكن من الحكمة ولا مبرراً لجهة الجدوى الاقتصادية المُضي بمشروع إنشاء معمل  الـ450 ميغاوات الجديد من دون أن يتلازم ذلك مع إنشاء محطة للغاز المُسال.

 

أما في موضوع التوزيع، فقد أقدم وزير الطاقة على ارتكاب مخالفات فاضحة في مشروع من المفيد وعلى أكثر من صعيد عملي ومالي السير باتجاه تحقيقه ولاسيما أن الحكومات السابقة عملت على التقدم على مسارات تنفيذه. فالإستعانة بمقدمي الخدمات (Service Providers)أمر جيد ويفترض العمل على القيام به ولكن شرط أن يتم ذلك بطريقة قانونية وشفافة وتنافسية. فمن المعروف أن تنفيذ  هذا المشروع يشكل التزاماً مالياً على الدولة اللبنانية بقيمة تفوق الـ800 مليون دولار كما أنه يمتد لسنوات طويلة. لذلك فإن التعاقد على تحفيذ هذا المشروع مباشرة مع عدد من مقدمي الخدمات بطريقة غير تنافسية ولا شفافة وحيث جرى إقراره دون الحصول أيضاً على الصك التشريعي اللازم من مجلس النواب بموجب قانون خاص يعتبر مخالفة دستورية وقانونية وامر يطرح في المحصلة عدداً من التساؤلات الجدية التي دعت الى القيام به بشكل مخالف للدستور والقانون.

 

أما على صعيد ما يحصل في موضوع المياومين فما هو إلا نتيجة العجلة والتفرّد في اتخاذ القرار كما والاصرار من قبل الوزير على العمل من خارج التوجهات الأساسية التي حددها القانون 462 وذلك فيما يختص بقطاع التوزيع.

 

إشارة إلى أن القانون 462 قد نصّ على تسوية أوضاع موظفي وزارة الطاقة والمياه وسائر العاملين والمعنيين فيها بقطاع الكهرباء وأوضاع العاملين في مؤسسة كهرباء لبنان وكان يجب القياس على هذا الأسلوب والمعايير لمعالجة أوضاع عمال المتعهد.

 

الخلاصة:

إن الحلول المجتزأة والمتسرعة والفردية التي اعتمدها المسؤولون عن هذا القطاع هي التي أوصلت البلاد إلى ما وصلنا إليه اليوم في قطاع الكهرباء. وبالتالي فإن هناك حاجة أساسية وملحّة للرجوع إلى التقيد والالتزام بنص القانون 462 والعمل ضمن إطاره لتصويب المسار الخاطىء في معالجة أمور الكهرباء. من هنا يتبين أنه ان بقيت الأمور سائرة على ذات المنوال كما هي الآن فإنها متجهة إلى إيقاع القطاع والبلاد في المزيد من المشاكل والتعقيدات وبالتالي إلى تحميل الخزينة من ثم المكلف اللبناني المزيد من الخسارات والأعباء وتضييع الوقت والفرص.

 

إن هذا الأمر قد أصبح يستوجب مرة ثانية الالتزام بتطبيق رؤيا واقعية ومقدامة تؤدي إلى اعتماد إستراتيجية واضحة لهذا القطاع لانقاذه من الفوضى والتخبط وبالتالي الامتناع عن إتباع الحلول والفردية وغير القانونية والمكلفة على اكثر من صعيد كما هو حاصل الآن

التاريخ: 
اثنين, 2012-07-30