الرئيس السنيورة : رفضت اقتراح القوة المتعددة للجنوب وفق الفصل السابع .... وهـذه روايـة مـا بعـد قانـا

رد رئيس كتلة المتسقبل الرئيس فؤاد السنيورة على ما ينشره المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل، في جريدة «السفير»، بعنوان «صفحات مجهولة من حرب تموز 2006»، فاتهمه بداية بأنه «ينقل في أحيان كثيرة ما جرى معه أو ما يقول أنه نقله إليه غيره أو ما يقول انه سمعه»، وقال السنيورة في رده ان «الملاحظة العامة التي يخرج بها المتابع للوقائع المنشورة تعطي انطباعا أن كاتبها يهدف إلى تعميم صورة تقول أن الرئيس بري، وهذا حقه، كان مفاوضا عنيدا للدفاع عن لبنان والمقاومة، إذ أن هكذا مذكرات تنشر عادة للترويج لوجهة نظر كاتبها أو الدفاع عن موقع الطرف السياسي الذي يمثله، وهذا أمر طبيعي. لكن المسالة غير الطبيعية أو غير المفهومة أو المقبولة أن يلجأ الكاتب وفي سياق عرض وجهة نظره إلى التخفيف من أهمية وجهة نظر وموقع الآخرين أو أن يختلق وقائع غير موجودة، أو أن يعمد إلى قلب الوقائع والحقائق رأسا على عقب وهذا ما ظهر في الحلقتين الأخيرتين اللتين نشرهما الوزير والنائب علي حسن خليل أي يومي الاثنين في 26/9/2001 والأربعاء في 28/9/2011».
وعرض السنيورة، عبر مكتبه الاعلامي، لملاحظاته على الشكل الآتي:
أولاً: في الحلقة المنشورة يوم الاثنين في 26 أيلول 2006 يحاول وزير الصحة الحالي أن يلبس الرئيس السنيورة ثوباً لا علاقة له به لا من قريب أو بعيد وهو أنه كان يطالب بقوة متعددة الجنسيات وفق الفصل السابع، وهذا ادّعاء مناف بالكامل للحقيقة، بل يعد أكبر تجنٍ على الرئيس السنيورة الذي طالب منذ اليوم الأول للعدوان وإلى اليوم الذي أقر فيه القرار 1701 بتعزيز قوات الطوارئ الدولية، ولم يقبل بكل الطروحات والمطالب التي قدمتها وأرادتها الولايات المتحدة وذلك باعتراف مسؤوليها. والوزير خليل يروي وقائع ما جرى يوم 25 تموز 2006 ليقول والكلام لمساعد الرئيس بري:
«كان الرئيس السنيورة مقتنعاً بفكرة رايس حول استدعاء قوة متعددة الجنسية لمهمات قتالية لكنه حرص على أن تكون بغطاء الأمم المتحدة ولو تحت الفصل السابع، إلا أن اتصالاته بعد ظهر الاثنين مع الرئيس نبيه بري ومتابعته لمواقف الأطراف الداخليين أفضت إلى تكوين صورة رافضة لأي قوة دولية خارج قوات الطوارئ الدولية ووفق مهامها الحالية».
بطبيعة الحال، فإن هذا الكلام عار عن الصحة جملةً وتفصيلاً بل هو مجرد اختلاق سياسي، إذ أن موقف السنيورة كان منذ بداية العدوان هو تعزيز قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب وزيادة عددها. الصحيح أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تعمل وتروج لنشر قوات متعددة الجنسيات تحت الفصل السابع لكن الرئيس السنيورة عارض هذا الطرح ولم يقبل به، وبطبيعة الحال كان الرئيس بري من ذات الموقف. والدليل على ذلك، الموقف الواضح للرئيس السنيورة أنه كان قد أعلن في اليوم الثالث للعدوان من السرايا الكبيرة أي في 15 تموز 2006 عبر كلمة متلفزة اعتبر فيها لبنان دولة منكوبة حيث قال بالحرف في نهاية كلمته:
«بناء على كل ذلك ندعو:
أولاً: إلى وقف شامل وفوري لإطلاق النار، ترعاه الأمم المتحدة، ويفسح المجال أمامها وأمام الدول العربية الشقيقة والجهات الدولية الصديقة، وبالتعاون مع الحكومة اللبنانية لمعالجة مسؤولة لكل المشكلات الناجمة عن الأحداث الأخيرة وتلك التي تسببت بها.
ثانياً: العمل على بسط سلطة الدولة على كل أراضيها، بالتعاون مع الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني، وكذلك العمل على استعادة كامل الأراضي اللبنانية، وممارسة سيادة الدولة غير المنقوصة عليها، والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 والتي أكد عليها اللبنانيون في وثيقة الوفاق الوطني في الطائف».
إذا، يظهر كلام الرئيس السنيورة أن موقفه من الساعات الأولى للعدوان هو أن يكون التعاون مع قوات الأمم المتحدة وقد بقي على هذا الموقف إلى نهاية العدوان وحتى التصويت على القرار 1701، والدليل على ذلك ما قاله السفير الأميركي جيفري فيلتمان في مقابلة له مع جريدة «الحياة» نشرت في السادس من شباط 2008 حيث قال فيلتمان:
«أعتقد أن الحرب كانت ستكون أسوأ وأطول وأصعب معالجة لولا فؤاد السنيورة. وأعتقد بأن السنيورة لعب دوره في شكل ساعد على نهاية أسرع للحرب وحال دون اتجاهها نحو الأسوأ. ولا أتصور أن الأسرة الدولية كانت ستكون بمثل هذا السخاء في استوكهولم، للمساهمة في إعادة الإعمار لو أن السنيورة لم يكن على هذا المستوى من الوضوح في كلامه باعتباره ناطقاً باسم كل لبنان. وفؤاد السنيورة عارض الفصل السابع الذي كانت الإدارة الأميركية وسواها يفضلونه بالنسبة إلى القرار 1701».
أضاف: «ومن أسوأ الأمور المهينة في الهجمات التي تعرض لها السنيورة عقب الحرب، بعد أن دافع بقوة عن مواقف لبنان وعارض بشدة الفصل السابع لأن «حزب الله» كان يرفض الفصل السابع، هو أنه تم تناسي كل هذا».
وقال فيلتمان في المقابلة نفسها: «لكن الحملات التي استهدفت تصرفه في تلك الفترة كانت غير أخلاقية ومثيرة للصدمة، نظراً إلى الدور الذي لعبه دولياً في تأكيد ضرورة إنهاء الحرب». (انتهى كلام فيلتمان).
طبعا حين أدلى فيلتمان بهذه المقابلة لم يكن يعرف أن الوزير علي حسن خليل سيعمد إلى نشر هذه الوقائع المغلوطة.
دليل آخر على الوقائع المختلقة التي كتبها ونشرها الوزير خليل فيما يتعلق بهذه النقطة بالذات والتي تعاكسها الوثائق المنشورة عبر موقع «ويكليكس» والمنشورة في جريدة «الأخبار» وليس جريدة «المستقبل». حيث تظهر الوثائق المنشورة والمترجمة من قبل جريدة «الأخبار» أن السفير فيلتمان يومها وكذلك الولايات المتحدة كانت تريد من الرئيس السنيورة أن يوافق على قوات متعددة الجنسيات للانتشار في لبنان لكن الرئيس السنيورة كان يرفض هذا الطلب وقد جاء حسب نص الوثيقة رقم: 06BEIRUT2504 التاريخ: 1 آب 2006
جاء في النص على لسان فيلتمان ما حرفيته:
«تمثلت رسالتنا للسنيورة ـ خلال اجتماعنا به وخلال اتصالاتنا الهاتفية اللاحقة معه - بضرورة بعثه رسالة إلى مجلس الأمن، محدداً مطالبه خصوصاً بقوات حفظ الأمن، لكنه مع الأسف لم يمتثل لمطلبنا».
تظهر الوقائع المعروضة انه على العكس مما كتبه الوزير خليل فإن الرئيس السنيورة كان يطالب بتعزيز قوات الطوارئ الدولية وكان يرفض المطلب الأميركي بقوات متعددة الجنسيات وفق الفصل السابع.
مما يعني أن ما نشره الوزير خليل في ما يتعلق بهذا الموضوع مختلق ولا أساس له من الصحة.
ثانياً: مجزرة قانا ووقف المفاوضات:
أما الذي يثير العجب فهو ما كتبه الوزير خليل في الوقائع المنشورة يوم 28 أيلول فيما يتعلق برد الفعل على مجزرة قانا. فالمعروف لدى الرأي العام وهو ما قد أعلن أكثر من مرة أن الرئيس السنيورة هو الذي اتخذ القرار بوقف المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية يومها احتجاجاً على المجزرة وطلب من وزيرة الخارجية كوندليسا رايس التي كانت تهم بزيارة لبنان عدم المجيء لأن موعدها قد ألغي. بل أكثر من ذلك فإن الرئيس السنيورة الذي كان ابلغ الجهات الأميركية بإلغاء الموعد للسيدة رايس وهمّ بإعلان ذلك عبر مؤتمر صحافي. وهو قد اتصل بالرئيس بري بعد إبلاغ موقفه للجانب الأميركي ولكن قبل إجراء المؤتمر الصحافي ليضع الرئيس بري في صورة القرار فأجابه الرئيس بري انه يدعم موقفه وتمنى عليه أن يؤخر مؤتمره الصحافي إلى حين قدومه إلى السرايا لإعلان الموقف بحضور الرئيس بري.
لكن ما الذي كتبه الوزير خليل مساعد الرئيس بري؟
المفاجأة انه قلب الحقائق رأساً على عقب حيث روى قائلا:
«قبل نزوله إلى المكتب اتصل الرئيس بري بالرئيس السنيورة، وقال له: بعد المجزرة اليوم لا يمكن أن أستقبل كوندليسا رايس، وفي رأيي أن تأخذ أنت الموقف نفسه، في كل الأحوال أين أنت الآن؟ قال: في السرايا. ولم يرد عليه بشيء. أقفل الرئيس بري الخط، وقصد السرايا بسيارة واحدة مرتدياً ثياب «سبور». يروي الرئيس بري لنا: «وصلت إلى مكتب السنيورة، وكان متوتراً وكأنه يرتجف، قلت له: يا دولة الرئيس على الرغم من الألم والمصيبة هذه محطة يجب أن نوظفها انتقاماً لدم الشهداء من أجل الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها، وأن نسجل معاً موقفاً وطنياً جامعاً نتجاوز فيه كل التباينات حول تفاصيل الموقف السياسي، إنها فرصة يجب أن لا تفوت، علينا أن نُشعر الأميركي وكل من يدعم إسرائيل أنهم دخلوا في مأزق ولم نعد نحن فقط في دائرة الضغط، يجب أن نأخذ موقفاً من العملية السياسية برمتها. في تلك اللحظة، كان موقف السنيورة إيجابياً وإن بدا متهيباً «ما طرحته ـ يقول الرئيس بري ـ ناقشنا الموقف، وخرجنا سوياً ليعلن السنيورة في مؤتمر صحافي عن وقف أي حديث غير وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط، وقال إن أي حديث آخر غير مقبول، مع إجراء تحقيق دولي في المجازر الإسرائيلية. كانت فرصة للرئيس بري لكي يظهّر موقفاً طالما أراده خلال فترة الحرب وهو وحدة الجميع في مواجهة المخطط الأميركي والإسرائيلي، فقال بوضوح إنه خلف الحكومة في هذا الموقف الجلل. ولاحقاً أعلن الرئيس بري أنه أرسل لرايس أن لا مكان لأي محادثات وأن الجهد الآن يجب أن ينصب للضغط على إسرائيل حتى لا ترتكب مجازر جديدة». (انتهى الاقتباس من رواية خليل).
الصحيح في رواية خليل هو أن بري قد حضر فعلا إلى السرايا بعد اتصال السنيورة به وهو قد جلس إلى جانب السنيورة خلال المؤتمر الصحافي وقد عقب على كلام السنيورة بالقول يومها: إننا في هذا الموضوع نقف خلف الحكومة وخلف السنيورة. لكن أن يتم قلب الوقائع وتصوير أن بري هو الذي اقترح تجميد الموعد مع رايس ووقف المفاوضات فهذا اختلاق ما بعده اختلاق كان من الأجدى أن لا يقع به وزير الصحة حفاظاً على مصداقية الرئيس بري نفسه الذي كان له الدور الكبير والمشرف في مواجهة العدوان بالتعاون مع السنيورة وباقي أعضاء الحكومة آنذاك. أما قول خليل إن السنيورة كان متوتراً وكأنه يرتجف، فهو كلام عارٍ عن الصحة لأن التوتر ليس من طبع السنيورة الذي يتسم بالهدوء وهو ما درج عليه في كل الظروف. لكن اما القول إن السنيورة كان متأثراً مثل بقية اللبنانيين من مناظر الشهداء والجرحى والمصابين الذين سقطوا نتيجة المجزرة الإسرائيلية فهو لا شك امر قد فاتك التعبير عنه.
بطبيعة الحال، بإمكان خليل العودة إلى داتا الاتصالات الهاتفية في ذلك اليوم ليعرف من اتصل بمن هل الرئيس السنيورة هو الذي اتصل وأخر مؤتمره الصحافي إلى حين وصول الرئيس بري أم أن الرئيس بري هو الذي بادر إلى الاتصال"