الرئيس السنيورة على طاولة الحوار: التصريحات الأخيرة للسيد حسن نصر الله والتي جاءت بأسلوب ومضمون جديد على ما يبدو، ولذلك كان موقفنا أنّ هذا أمرٌ جيدٌ ويشكل خطوة في الاتجاه الصحيح وربما يعبر عن رغبة مستجدة للتوصل إلى تسوي

شارك رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة في جلسة الحوار الوطني وفي بدايتها تقدم بمداخلة جاء فيها : دولة الرئيس، أيها الزملاء،
بداية، أريد أن أعبر عن استنكارنا الشديد للجريمة الإرهابية النكراء التي أصابتنا كلبنانيين جميعنا كما أصابت أهلنا في منطقة برج البراجنة، سائلين الله تعالى أن يسكن الشهداء فسيح جناته وأن ينعم على المصابين بالشفاء العاجل. إنّ انضمامنا إلى جلسات الحوار واستمرارنا في حضور جلساته هو ناتج عن فعل إيمان بأنّ هذه هي الطريقة الصحيحة والوحيدة للتوصل إلى تفاهمات بالنسبة للكثير من المسائل والقضايا التي قد نختلف بشأنها مع شركائنا في الوطن. نحن من المؤمنين والقائلين دوما بأننا شعب واحد، كما أننا من المؤمنين باتفاق الطائف وما أكد عليه من أهمية العيش المشترك، ولا خيار لنا كلبنانيين سوى أن نعيش مع بعضنا بعضاً برضى وأن نحافظ على الوطن ووحدة أبنائه، ولذلك كنا وسنبقى حريصين على استمرار الحوار فيما بيننا وكذلك مع حزب الله.
ومع أنّ النتائج المتوخاة أو التي توصلنا إليها لجلسات الحوار المختلفة التي خضناها منذ عام 2006 وحتى الآن لم تسفر عن تطبيق عملي لما اتفق عليه في تلك الجلسات، لا سيما وأنه جرى التملص من بعض منها وجرى النكول في البعض الآخر. وبالرغم من أنّ هذا الحوار لم يحقق بعد ذلك شيئا مهماً على أرض الواقع مما كنا نعوّل عليه، حيث أننا لم نتقدم على صعيد انتخاب رئيس الجمهورية، كما أنه لم يسهم في تخفيف الاحتقان الطائفي والمذهبي ووقف الممارسات المؤدية إلى التطرف، وإن ذلك لم يدفعنا يوماً إلى الانقطاع عن الانضمام والمشاركة بفعالية وتصميم في هذه الجلسات لكوننا نؤمن عميقاً وراسخاً بأن هذا هو الطريق من التواصل لا بدّ وأن يؤدي في المحصلة إلى تقدمٍ على الطريق الموصل إلى الحلول التي يتطلع إليها اللبنانيون من أجل معالجة التفاقم الجاري في شتى مناحي عيشهم ومجالات تطور مستقبلهم.
لقد استمعنا بكثير من الاهتمام إلى التصريحات الأخيرة للسيد حسن نصر الله والتي جاءت بأسلوب ومضمون جديد على ما يبدو، ولذلك كان موقفنا أنّ هذا أمرٌ جيدٌ ويشكل خطوة في الاتجاه الصحيح وربما يعبر عن رغبة مستجدة للتوصل إلى تسوية. ولذلك فإننا نرى أنّ هذا الأمر يحتاج إلى مناقشةٍ وبلورةٍ وخطوات عملية على الأرض تسهم في خفض حدة التوتر وتسهم في معالجة استمرار الشحن الطائفي والمذهبي الذي تسهم فيه تصرفات البعض وإيحاءات كلامهم والتي كان آخرها ما جرى في صيدا مؤخراً، والذي تصدى له الرئيس بري وأدانه. إن الحوار الجاري في ما بيننا يتخذ ثلاثة مسارات. الأول وهو هذا المنبر الوطني الذي نحن فيه والثاني وهو المنبر الذي يجري فيه التواصل ما بين تيار المستقبل وحزب الله. والثالث وهو المزمع الشروع فيه من خلال اللجنة البرلمانية المخصصة لبحث قانون الانتخاب.
لقد بدأنا الحوار عبر المسار الأول من خلال التوافق على أولوية التوصل إلى اتفاقٍ على رئيسٍ توافقي ينهي الشغور الرئاسي علماً أنه هذا المسار يتضمن أيضاً مجموعة من المسائل الأخرى تتعلق بتفعيل عمل مجلس النواب وعمل مجلس الوزراء وقانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية واللامركزية الادارية وتعزيز الجيش والقوى الأمنية. ومع انه جرى التقدم عملياً على أكثر من مسار في هذا الخصوص في جلسة مجلس النواب الأخيرة. إلاّ أننا كنا ومازلنا نعتقد بأن التوصل إلى حل كامل لعدد من هذه المسائل يصبح سهلاً جداً مع إنجار الموضوع الأساس الذي هو المفتاح الرئيس لمباشرة معالجة جملة القضايا التي يعاني منها اللبنانيون الا وهو إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس الجمهورية.
كما أننا بدأنا الحوار الثنائي ما بين تيار المستقبل وحزب الله على أمل التوصل إلى اتفاق بشأن إنهاء مسألة الشغور الرئاسي وكذلك خفض التوتر والشحن الطائفي والمذهبي إلى أبعد مدى من خلال التقدم على مسار تنفيذ الخطط الأمنية ورفع الغطاء عن الملاحقين من قبل القضاء ووقف دعم وتبني ما يسمى بسرايا المقاومة التي لا دور لها ومن خلال إنتشارها في شتى المدن والبلدات إلا زيادة حدة الشحن الداخلي والتسبب بالفتنة.
ومع تقديرنا للنوايا الطيبة التي أبداها البعض من طروحات ومساعي إيجابية على هذين المسارين إلاّ أن شيئاً كثيراً لم يتحقق في هذا الصدد. في الحقيقة فإن الأمر يتطلب وعلى المسار الاول التقدم من اجل إنجاز عملية إنهاء الشغور الرئاسي. بينما يتطلب التقدم على المسار الثاني ذات الشيء مع خطواتٍ عمليةٍ تستعيد بناء الثقة التي أفسدتها الممارسات المتشددة والمتطرفة وحالت دون التوصل إلى تقدم في هذا الصدد. ولذا فنحن نشدد ونكرر على أهمية القيام بالخطوات الآيلة إلى إزالة أسباب التوتر من جهة وكذلك التشدد في تطبيق الخطط الأمنية، ورفع الغطاء عن المخالفين والملاحقين من القضاء والأجهزة الأمنية، وانهاء الحالة الشاذة المتعلقة بانتشار السرايا المسلحة في شتى المدن والبلدات تحت شعار "سرايا المقاومة"، والتمهيد لما يؤدي إلى عودة حزب الله إلى لبنان بدلاً من الاستمرار في الغوص في عملية التوريط المستمرة في قضية النزاع في سوريا.
إنّ التقدم الذي يمكن ان يحصل على صعيد التوافق على قانون جديد للانتخابات أصبح أمراً له مساره من خلال اللجنة النيابية الجديدة ولا نعتقد أن مكانه على طاولة الحوار هذه لسبب ان لذلك أصوله ومع المختصين به.
أما بالنسبة لموضوع تفعيل عمل الحكومة، فإننا لم نتوقف يوماً عن المناداة والمطالبة بتفعيل عملها ونحن نقول ذلك اليوم وغداً، لكن هذا الأمر أصبح وبسبب التعقيد الجاري على عمل الحكومة والعراقيل المعطلة والموضوعة في طريقها من قبل بعض الافرقاء المشتركين في هذا الحوار ونحن لسنا منهم غير قابلة عن القيام بدورها ولذلك فإننا نشدد على ضرورة المسارعة إلى تفعيل العمل الحكومي وإزالة العراقيل من طريقها لتتمكن الحكومة واللبنانيون من التصدي للمشكلات وللأخطار المتصاعدة والتحديات التي تتجمع في الأفق من حولنا ومن داخلنا وعلى أكثر من صعيد وطني وسياسي وأمني واقتصادي ومعيشي وبما يقدر لبنان واللبنانيون من احتواء الآثار المدمرة لهذه الصدمات الكبرى الآتية من الخارج على الوطن وعلى العيش المشترك للبنانيين وعلى لقمة عيشهم.
أما ما حصل في فرنسا، فلقد عبرنا عن ادانتنا الشديدة لهذا العمل وأكدنا على وقوفنا مع فرنسا وشعبها ومع المجتمع الدولي وطالبنا بموقف حازم وصارم ومتضامن في مواجهة الإرهاب المتمادي. إلاّ أن مكافحة الإرهاب ومحاربته واجتثاث جذوره وتجفيف منابعه لا تكون فقط في معالجة نتائجه أو ظواهره أو في استعمال القوة وحدها، وإنما وايضا وفي ذات الوقت في معالجة ما يسهم في زيادة أسبابه المتمثلة بالظلم المتراكم والقهر المتمادي من الاحتلال الاسرائيلي ومن الأنظمة المستبدة وكذلك في وقف أعمال الشحن والفتنة الداخلية والتدخلات الاجنبية وفي سلوك طريق الاصلاح الحقيقي على أكثر من صعيد ومن ضمنها الاصلاح الديني وإصلاح التعليم الديني. حيث أن البعض يستخدم الدين ملجأ أحياناً وذريعة أحياناً أخرى لتبرير ما يلجأ إليه من ممارسات وجرائم.
إننا وفي ظلّ هذه الاشكالات الكبرى التي يعاني منها اللبنانيون ويعاني منها عدد من الدول العربية بما في ذلك الاخطار المتزايدة للمنظمات الارهابية واخطارها على لبنان والدول العربية وعلى العرب في علاقاتهم مع العالم، تتطلب جهداً من الجميع في لبنان ولاسيما ممن يؤدي تصرفهم إلى زيادة حدة التوتر وإلى التدمير المنهجي المستمر للدولة ودورها وهيبتها بضرورة بذل كل جهد ممكن لإقدار الدولة اللبنانية على استعادة ثقة الناس بها وعلى استعادة دورها وهيبتها.
ولذلك فإنّنا نرى أن جملة المخاطر المتعاظمة هذه تتطلب من الجميع ان يعودوا إلى الدولة بشروط الدولة والتي يجب ان تكون صاحبة السلطة الوحيدة على كامل الاراضي اللبنانية والتي تستطيع أن تجمع اللبنانيين بشتى فئاتهم وقدراتهم وقواهم بالإنخراط في مشروع الدولة لكي تتأمن وحدة اللبنانيين وتضامنهم للتصدي للاحتلال الاسرائيلي ومواجهة عدوانيته.
ويبقى الأمر الأساس في التقدم على مسار هذا الطريق والذي مازلنا نعتقد أنه له الأولوية على أي أمر آخر سيما وأنه المفتاح الأساس لمعالجة شتى المشكلات التي نعاني منها وهو الباب الحقيقي لاسترداد الثقة بين اللبنانيين وهو التوافق على رئيس توافقي يستطيع أن يجمع بين اللبنانيين ويكون عنوان تجمعهم وليس عنوان تفرقهم.
