الرئيس السنيورة : السعودية تتقدم وسط الدمار لإعادة الأمل لليمنيين وانقاذ سوريا

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثاني: 
مجلس العلاقات العربية والدولية اقام في الكويت حفلا تابينيا للامير سعود الفيصل

اعتبر رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة ان "السعودية ومعها شقيقات خليجيات ودول عربية أخرى تتقدم لإعادة الأمل إلى اليمنيين، وتتقدم وسط عواصف الدمار والتدمير لإنقاذ سوريا من هذا البلاء المستحكم ببلداننا العربية المتمثل بالاستبداد والطغيان والتطرف والإرهاب".

وخلال حفل تأبيني لوزير خارجية السعودية الراحل سعود الفيصل أقامه مساء امس في الكويت مجلس العلاقات العربية والدولية بحضور حشد من المسؤولين الكويتيين والعرب، ورأى الرئيس السنيورة انه "لا بد من استعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة والعمل على استعادة الأمن في دول المنطقة والتأكيد على وحدة الموقف على الحدود وبالدواخل العربية قبل أن يصبح الحوار، أي حوار مع الجوار، فضلاً عن أن يكونَ استراتيجياً ممكناً وموصلاً إلى صون الأمن والاستقرار الحقيقي في المنطقة"، موضحا ان "العروبة التي يجب استرجاعها هي العروبة التي تجمع بين العرب وتشجع كل معاني وقيم التوسط والاعتدال والانفتاح والحوار والتسامح والحرية والديمقراطية، العروبة التي تؤمن بمشروعية التعدد ضمن احترام الإطار الوطني للدول والتي ترعى حق الاختلاف وترفض نزعات الإقصاء والتكفير أو التفتيش في ضمائر المؤمنين، العروبةُ الحريصةُ على احترام التنوع والآخر المختلف وحقوق الإنسان، العروبةُ المؤمنةُ بالدولة المدنية المعترفة بحقوق المواطنين المتساويين دون اي تمييز بينهم على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو مناطقي".

واعتبر الرئيس السنيورة ان "ذلك لن يتحقق إلاّ بالتعاون والتكامل بين دولنا وبين مجتمعاتنا العربية والعودة إلى التأكيد على نظام المصلحة العربية وإعادة بناء التوازن الاستراتيجي في المنطقة والمحاذرة دون السقوط في لجة تغليب الأمور الجانبية على القضايا الأساسية والتأكيد دوماً على أن تكون وجهة بوصلتنا صحيحة، وكل ذلك من أجل إنقاذ الإنسان والعمران وإنقاذ مستقبل أجيالنا القادمة".

 وقال الرئيس فؤاد السنيورة: إنّ ما قام به الامير سعود الفيصل في عام 1976 في مؤتمر بيت الدين، وما قام به إبّان العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006. حين جاء على رأس وزراء الخارجية العرب وبيروت تحت القصف الاسرائيلي، وقال يومها، إنه لا بُدَّ من إيقاف العدوان الغاشم. لذلك  يتذكره الشعب اللبناني ولن ينساه، لأنه حمل إلى بيروت وخلال فترة العدوان الاسرائيلي موقف القوة والعزة العربية وأدوات الصمود وإرادة الحياة.

في ما يلي نص كلمة الرئيس السنيورة في تأبين الأمير سعود الفيصل :صاحب الرعاية رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح ممثلا بنائب رئيس مجلس الوزراء بالإنابة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الصباح.

صاحب السمو الملكي الأمير تركى الفيصل.

أصحاب السموّ والمعالي والسيادة.

السادة أعضاء مجلس العلاقات العربية والدولية

أيها الإخوة والأخوات،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

ربما كنا نحن اللبنانيين بين أوائل العرب الذين أدركوا الجديد الذي أتى مع سعود الفيصل إلى السياسة الخارجية السعودية تجاه القضايا العربية. فقد اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان/ أبريل 1975 على وقْع قضيتين: قضية الوجود الفلسطيني المسلَّح في لبنان، وقضية التأزم السياسي والأمني بالداخل اللبناني. وفي العام 1976، ولم يكن قد انقضى على الأمير سعود الفيصل غير ثمانية أشهر في وزارة الخارجية بالمملكة، أتى إلى لبنان مع وزراء خارجية عرب آخرين في مسعىً لإنهاء النزاع، وإرسال قوات سلام عربية تشرف على توقف إطلاق النار، وتنقل أهل النظام اللبناني إلى مرحلة التفاوض على الإصلاح السياسي من جهة، وضبط الوجود الفلسطيني المسلَّح من جهةٍ أُخرى. يومَها قال الأمير سعود للمجتمعين من الوزراء العرب برئاسة الرئيس اللبناني إنّ المطلوبَ العمل بعكس المثل العربي القائل: لا نقتل الذئب، ولا نُفْني الغنم! بل لا بد من قتل ذئب الفتنة الداخلية، وصَون القضية الفلسطينية. ويجب أيضاً دعم لبنان في تحقيق التطوير السياسي، وإعادة الإعمار.

 

إنّ ما قام به سعود الفيصل في عام 1976 في مؤتمر بيت الدين، قام به وأكثر إبّان العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006. فقد جاء على رأس وزراء الخارجية العرب وبيروت تحت القصف الاسرائيلي، وقال إنه لا بُدَّ من إيقاف العدوان الغاشم.

 

لذلك يتذكره الشعب اللبناني ولن ينساه، لأنه حمل إلى بيروت وخلال فترة العدوان الاسرائيلي موقف القوة والعزة العربية وأدوات الصمود وإرادة الحياة. فلقد أتى سموّه مع زملائه وزراء الخارجية العرب إلى لبنان المحاصر بالحديد والنار الإسرائيلية في تموز من العام 2006 ليقول باسمه وباسم زملائه وزراء الخارجية العرب لا قوية للعدوان الاسرائيلي على لبنان، ولا للغدر ولا للإجرام. وليقول العرب جميعاً وبصوت واحد نحن الى جانبكم في مواجهة العدوان وسنعيد معاً إعادة بناء ما دمره هذا العدوان الإسرائيلي وسنساعد لبنان في إعادة الإعمار السياسي والعُمراني. وهذا هو الموقف الثابت الذي ما فتئت تلتزم به المملكة العربية السعودية منذ ذلك الحين وما قبل ذلك بكثير. فلقد أسهمت المملكة بالدبلوماسية القوية والقادرة في دفع العدوان هي ودولة الكويت ودولة قطر وسلطنة عمان دعموا لبنان. والمملكة قدَّمت بمفردها قرابة المليار دولار لإعادة الإعمار في لبنان بعد العدوان الإسرائيلي في العام 2006. وهذا فضلاً عن الجهد الكبير الذي بذله المغفور له الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، والأمير سعود الفيصل، والملك سلمان بن عبدالعزيز حين صار ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، في تصحيح العلاقات مع سورية بعد خروج جيشها من لبنان. وبعد ذلك واستمراراً على ذات النهج مع الملك سلمان في مساعدة الجيش اللبناني لكي يستطيعَ حماية الحدود، وكذلك مساعدة القوى الأمنية اللبنانية من أجل صَون الأمن بالداخل وإقداراً لهما من أجل استعادة سلطة الدولة وحدَها على كامل الأراضي اللبنانية.

 

 

وإذا كنا نذكر للأمير سعود الفيصل هذين الموقفين الكبيرين والمشرِّفين من لبنانَ وأمنِه وأمانِه ودولته واستقراره إبان الحرب الأهلية في لبنان وإبان العدوان الإسرائيلي. فلنذكُرْ له موقفاً أشهر وأَجَلّ على المستوى العربي، ومن بيروتَ أيضاً. فقد كان عام 2002 إلى جانب ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي أعلن في مؤتمر القمة ببيروت آنذاك، المبادرة العربية للسلام، نُصرةً لحقِّ الشعب الفلسطيني في أرضه ودولته واستقلاله وخلاصه من الاحتلال. وما تزال تلك المبادرةُ حتى اليوم عصيةً على التجاهُل والتجاوُز، رغم كلّ ما حصل ويحصل.

 

لقد كنتُ بالمملكة قبل استقالة الأمير سعود بأربعة أشهُر، وقد لَفَتتْني السياسات الصهيونية الجديدة القديمة في الاستيطان والاستيلاء والاعتداءات على المسجد الاقصى. فطلبتُ مقابلة الأمير سعود، فوافق على الفور، رغم اشتداد المرض عليه، وكثرة انشغالاته. قال الأمير سعود وهو يُغالبُ المرض: أنتم إخوةٌ أشقّاء، ونحن نرحبّ بكم في كلّ آن فالدارُ دارُكُم. إنما هل هناك أمرٌ لبنانيٌّ عاجل؟ وقلتُ له معتذراً عن إزعاجه: بل هناك أمرٌ فلسطينيٌّ عاجل على مشارف الانتخابات في إسرائيل، ووسط صعود اليمين المتطرف هناك، والعالَم لا يأبه. لقد رأيتُ أنه في هذه الظروف لا بُدَّ من إحياء ومتابعة المبادرة العربية للسلام لإثارة اهتمام المجتمع الدولي بها من جديد. وقال الأمير: لكم الشكر على هذا التنبيه، لقد بدأنا بالفعْل في ذلك وتشاورْنا مع الدول العربية والإسلامية. والحقيقة أنّ الدولَ الإسلامية الكبرى أكثر حماساً واهتماماً بفلسطين بل وبسورية، أكثر من بعض الدول العربية المشغولة بدواخلها. وتابع قائلاً:سنرى على أيِّ حالٍ ما يمكن فعلُهُ بهذا الأمر الضروري، ففلسطينُ ينبغي أن تبقى في رأس الاهتمامات، لأنّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يقع في أصْل المشكلات كُلِّها!

 

أيها الحاضرون الكرام،

منذ ثمانينات القرن الماضي، صار الأمير سعود هو لسانُ العرب في المحافل الدولية. إذا تكلّم قيل إنّ ما قاله هو رأْيُ العرب، وموقف العرب. وإذا تحرك إلى إحدى الجهات العربية أو الإقليمية أو الدولية، فقد كنا نرى جميعاً ويرى العالم معنا أنّ لذلك دلالةً ما على هذا الأمر أو ذاك أو هذه السياسة أو تلك. أذكر أنه في العام 1990 إباّن غزوة صدّام حسين للكويت، أنّ سعود الفيصل قال من نيويورك: إنّ الاعتداء الآثم على سيادة دولة الكويت وأرضها، كان ينبغي مكافحتُه وإنهاؤه عربياً. لكنْ في حالة عدم الاستطاعة، ولأنّ احتلال الكويت أصبح يهدد السلام والأمن الدوليين، فإنّ العرب ينبغي ان يعملوا مع المجتمع الدولي، لتحرير الكويت وإعادة الشرعية إليها.

ولقد كان يحمل معه إلى المحافل الدبلوماسية أصالة وسكينة وصفاء. هذا فضلاً عن ما كان يتميز به من حنكة البادية وحداثة المدينة وتعقيداتها وشموليتها ودقتها وكل ذلك كان حاضراً ومتناغماً في شخصيته وأدائه السياسي والدبلوماسي الجادّ والناعم والصلب في آن. ولا شكَّ أنّ ذلك يعود إلى عدة عوامل وليس إلى عاملٍ واحد.

فالعاملُ الأولُهو الموقع المتقدم للمملكة العربية السعودية في المنطقة والإقليم والعالَم منذ قيام الملك فيصل بن عبد العزيز بالمقاطعة البترولية عام 1974 لدعم مصر وسورية في حرب العام 1973، والتأثير في تحرير الأرض العربية، وتحرير الشعب الفلسطيني.

وأمّا العامل الثاني فهو سياسات المملكة الثابتة تجاه سلام العرب ووحدتهم وأمنهم بعد انكفاء مصر في كامب ديفيد، والخصام الذي لم يهدأْ بين النظامين البعثيين في سورية والعراق. وهكذا لم يبق في الميدان غير المملكة ومعها شقيقاتها من دول الخليج العربية منذ الثمانينات، بمعنى أنّ الآخرين اتجهوا إلى دواخلهم وإلى التنازُع فيما بينهم في أنظمةٍ عسكريةٍ وأمنية. والمملكةُ هي الدولةُ العربيةُ الرئيسيةُ الوحيدة التي ظلَّ أو صار الهمُّ العربيُّ والإسلاميُّ هو عمادُ سياستها الخارجية، تجمعُ عندما يمكن الجمع، وتتصدى للمشكلات عندما تدلهمُّ الخُطوب، وتقفُ صامدةً في وجه الأعاصير التي هبّت وتهبُّ على الديار العربية في فلسطين وفي غير فلسطين. ألا تَرَون أننا نحن اللبنانيين، كما لجأنا إلى المملكة عام 1976 وعام 2006، لجأنا إليها قبل ذلك وبعده عام 1989 حيث اجتمع النواب اللبنانيون برئاسة الأمير سعود الفيصل بمدينة الطائف لإنهاء الحرب بل الحروب، وإعلان الميثاق الوطني والدستور الجديد، وعودة السلام إلى ربوع البلاد؟! بالله عليكم، وأنا أتحدثُ عن المملكة والأمير سعود وزير خارجيتها في الثمانينات، ألا نشعُر جميعاً بأنّ هذا هو الوضْعُ اليوم؟ فالمملكةُ ومعها شقيقاتٌ خليجيات ودولٌ عربيةٌ أُخرى تتقدم لإعادة الأمل إلى اليمنيين، وتتقدم وسط عواصف الدمار والتدمير لإنقاذ سورية من هذا البلاء المستحكم ببلداننا العربية المتمثل بالاستبداد والطغيان والتطرف والإرهاب وهما وجهان لعملة واحدة؟ مَنْ للعرب، من شرٍّ قد اقترب، بل قد وقع؟ لهم المملكةُ الماجدة والمسؤولةُ وصاحبةُ الهمة والمبادرة في السِلمْ والحرب وحالها في ذلك كما يقول الشاعر:

وحالاتُ الزمان عليكَ شتى            وحالُكَ واحدٌ في كُلِّ حالِ

 

لقد أطلْتُ واستطردْتُ، وقد كان ذلك ضرورياً من وجهة نظري. فلنصِلْ إلى العامل الثالث المتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة والتي شارك الأمير سعود الفيصل وعلى مدى أربعة عقودٍ ومن موقع رئيسي في صناعتها وتشكيلها. لقد صار صوتَ العرب بالطبع بسبب الدور المحوري للمملكة في السياسات العربية والدولية. لكنّ تلك السياسات زاد تأثيرها أيضاً، وعلى الأقلّ على الأطراف الخارجية العربية والإسلامية والدولية- بسبب شخصية الأمير الراحل القوية والصادقة والمخلصة والصريحة والحازمة في آن. لقد كان مثالَ المؤمن الذي قال عنه رسولُ الله صلواتُ الله وسلامُهُ عليه أنه إذا وعد وفى، وإذا حدَّثَ صدق، وإذا ائتُمن حَفِظ ولم يَخُنْ.

تستطلع رأْيَهُ في مشكلة، وما أكثر ما لجأْتُ إليه، ولجأ إليه قبلي الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا شكّ أن عدداً منكم فعل مثل ذلك، فتحسبُ أنه لا ينشغلُ إلاّ بها، ويروح وفي كلامٍ موجَزٍ يقلّب الأمر على سائر وجوهه، ليخرجَ مع محدِّثه أو محدِّثيه إلى خُلاصةٍ تشخيصيةٍ صحيحة، ثم يقولُ لكَ وبدون تردد ماذا بوُسع المملكة أن تفعل للإسهام أو للمساعدة أو للمبادرة. وقد أتيتُ إليه في أواخر العام 2012 وكان الهمُّ السوري أو الكابوسُ السوري قد بدأ يطغى، فتشاورنا في الوضع اللبناني، والوضع السوري، وظننتُ أنه قد قال كلَّ ما عنده فهممتُ بالقيام، لكنه تابع متسائلاً معي قائلاً: ما ذكرتَ أهمَّ وأخطَر ما يحدُث. إنه ما يحدُثُ في مصر، إذا نجت مصرُ مما يوشكُ أن يحدُث فيها من استيلاء، فقد نَجَونا جميعاً. لنضعْ جميعُنا عيونَنا وعقولَنا وسواعدنا مع مصر، لأنّ شطراً كبيراً ووازناً من مستقبلنا العربي كامنٌ فيها، أوليست هي كنانةُ الله في أرضه، بحسَب الأثَر؟!

في تلك المقابلة أواخرَ عام 2012 تذكَّر أحدُ مُرافقِيَّ موقفه في مؤتمر القمة بِسِرْت عام 2010. وكان مهتماً بالحوار الاستراتيجي بين العرب وجوارهم الإسلامي (أي تركيا وإيران)، والآخر الإفريقي.

وما كان الأمير سعود مختلفاً معه في الشأنين وبخاصة الشأن الإفريقي. لكنه رأى أنّ الظروف غير ملائمةٍ للحوار الآخر، لأنّ كلَّ الآخرين يتدخلون في العالَم العربي براً وبحراً وسياسات، فالعربُ، كما قال الأمير سعود- في حالة "خواء استراتيجي"، ولا بد اذاً من استعادة التوازُن الاستراتيجي في المنطقة والعمل على استعادة الأمن في دول المنطقة والتأكيد على وحدة الموقف على الحدود وبالدواخل العربية قبل أن يصبح الحوار، أي حوار مع الجوار، فضلاً عن أن يكونَ استراتيجياً ممكناً وموصلاً إلى صون الأمن والاستقرار الحقيقي في المنطقة.

 

في أواخر العام 2012 ذكر الأمير سعود شواهدَ على ما يجري في الجوار ولاسيما ما يحدث في سورية والعراق ولبنان من تغوُّلٍ إيرانيٍّ، وتدخلات لتقسيم المجتمعات وضرب الدول ثم قال مبتسماً: الدبلوماسيةُ تفعلُ الكثير، لكنّ الآخرين الذين تتحدث إليهم صغُروا أم كبُروا لا بُدَّ أن يشعروا بأنّ لك أنياباً أبرزْتَها في الماضي القريب أو يمكن أن تُبرزَها اليوم لكي يحسب لك أولئك الآخرون حساباً!

هو سيدُ مَنْ عرف العلاقات الدولية والعلاقات بالمنطقة، ليس بسبب طول المدة والولاية فقط، بل وبالمتابعة الدؤوب، والعمل الذي لا يهدأ، والبصيرة التي لا تُخطئُ سواء صمتت أو تكلمت. ولنتذكر معاً موقفه الأخير فيما خصّ سياسات روسيا الاتحادية بالمنطقة في مؤتمر القمة بشرم الشيخ المصرية، وكم كان تقديره صائباً.

إيها الإخوة والأخوات

عندما أتذكَّر الأمير سعود في شخصيته وسياساته أمامكم اليومَ، فأنا أعرفُ أنّ لكلٍ منكم ذكرياتٍ وربما لقاءاتٍ معه، إذ كلكم كنتم مسؤولين كباراً في بلدانكم وما تزالون مؤثّرين وعاملين. وأنا أعتبرُ أنكم شرّفتموني بالحديث عنه في هذا المنتدى المستنير والذي يحاول أن يفعل شيئاً وسط هذا المخاض العربي القاتم والعاصف. إنّ ذكرى الأمير سعود بشخصيته القوية والمسؤولة، وبصيرته النافذة، تزوّدُنا بدروسٍ للحاضر والمستقبل. إنّ علينا أن نعملَ كما تعملُ المملكة العربية السعوديةُ وعمل الأمير سعود راعي سياستها الخارجية على مدى عقود. علينا أن نعمل بقدْر ما نستطيع لكي نستعيدَ إيمانَنا بالعروبة المستنيرة كرابطة ثقافية ورابطة حضارية وثيقة وليس مشروعاً سياسياً.

 

العروبةُ التي تجمعُ بين العرب وتشجع كل معاني وقيم التوسط والاعتدال والانفتاح والحوار والتسامح والحرية والديمقراطية. العروبة التي تؤمن بمشروعية التعدد ضمن احترام الإطار الوطني للدول والتي ترعى حق الاختلاف وترفض نزعات الإقصاء والتكفير أو التفتيش في ضمائر المؤمنين.

العروبةُ الحريصةُ على احترام التنوع والآخر المختلف وحقوق الإنسان.

العروبةُ المؤمنةُ بالدولة المدنية المعترفة بحقوق المواطنين المتساويين دون اي تمييز بينهم على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو مناطقي.

 

 

 

أيها الإخوة والأخوات،

 

لن يتحقق ذلك إلاّ بالتعاون والتكامل بين دولنا وبين مجتمعاتنا العربية والعودة إلى التأكيد على نظام المصلحة العربية وإعادة بناء التوازن الاستراتيجي في المنطقة والمحاذرة دون السقوط في لجة تغليب الأمور الجانبية على القضايا الأساسية والتأكيد دوماً على أن تكون وجهة بوصلتنا صحيحة، وكل ذلك من أجل إنقاذ الإنسان والعمران وإنقاذ مستقبل أجيالنا القادمة.

كلُّ الإقليميين والدوليين، يُنذرون أو يشمتون بأنّ العالم العربي الذي نعرفه ذهب لغير عودة. وأنا أقول: إنّ التغيير ما عادَ مَنْعُهُ ممكناً، إنما أيّ تغيير؟ نحن أصبحنا قرابة الأربعمائة مليون عربي، وستون بالمائة منهم في سن الشباب، ولدينا هذه الثقافة العظيمة، وهذا الانتماء الكبير، وليس المطلوبُ عودةَ الأمس الذي لم يكن كلُّه خيراً وسلاماً، بل المطلوبُ أن يبقى هذا الانتماء وتبقى لنا الإرادة إرادة الحياة، وأن يتمكنَ شبابُنا من المشاركة في صُنْع المستقبل العربي الذي رجَوناهُ والذي رجاهُ وعمل له الأمير سعود الفيصل ومسؤولون عربٌ آخرون كثيرون.

 

 

أيها الإخوة والأخوات،

 

على مدى تاريخنا الماضي والحاضر لم يكن الأمل وحده ما كنا نحتاجه، وعلى أهميته الكبرى، في مواجهة المحن والأزمات. ولكن ما كان نصيرَنا في الماضي وسيكون نصيرَنا الآن وفي المستقبل هو الشجاعة في مواجهة الحقيقة والإرادة الصامدة والثابتة والمثابرة في شتى مجالاتها حتى يتمَّ لنا ما نريد وتريده شعوبنا العربية.

رحم الله الأمير سعود الفيصل، ونفعنا بجهوده وسياساته: "أما الزبد فيذهبُ جُفاءً وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض". صدق الله العظيم

تاريخ الخطاب: 
02/12/2015