الرئيس السنيورة : في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها أوطاننا وأمتنا لا ينبغي الإصغاء للدعوات التي تقول بإلغاء الجامعة العربية لانها فشلت

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثاني: 
القى كلمة في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها السنوي الرابع عشر: فكر14 في القاهرة

دعا رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس فؤاد السنيورة الى التمسك جامعة الدول العربية على وجه الخصوص في هذه الظروف  وقال :  في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها أوطاننا وأمتنا وفي ظل عدم وجود البديل المأمون لا ينبغي الإصغاء للدعوات التي تقول بإلغاء الجامعة لأنها فشلت إنها في الوقت الحاضر

أضاف :أن النجاح العربي يمكن أن نستولده  من رحم الفشل والمشكلات التي ابْتُلينا بها أو ساهمنا نحن في إلحاقها بأنفسنا، وان التألق يمكن أن يحصل من عتمة الظلام وان الريادة العربية ممكنة التحقق إذا نحن فعلاً أردنا ذلك.

كلام الرئيس السنيورة جاء هذا المساء في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي في مؤتمرها السنوي الرابع عشر "فكر14"، في فندق الماريوت في القاهرة وفي ما يلي نص كلمة الرئيس السنيورة :

 

الجامعة العربية والتكامل العربي

في الذكرى السبعين للجامعة

 

صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل

معالي الامين العام الأستاذ نبيل العربي

اصحاب الدولة والسمو والمعالي والسيادة

أيها السيدات والسادة،

إنها حقاً مبادرةٌ رائعةٌ أن تعمد مؤسسة الفكر العربي وجامعة الدول العربية برعاية سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية إلى إقامة مؤتمرٍ للتكامل العربي في الذكرى السبعين لتأسيس جامعة الدول العربية. ويحصل هذا هنا في القاهرة، في مصر، التي كان لها الدور الكبير في إنشاء جامعة الدول العربية وذلك بالاشتراك مع المملكة العربية السعودية ودول عربية شقيقة ومن ضمنها لبنان. هذه الجامعة التي أريد لها أن تكون عنوان رابطة قومية وثقافية وحضارية تشجع على التكامل والتعاون والاعتماد المتبادل بين أعضائها، استناداً إلى المشتركات التاريخية والجغرافية والحضارية الكبيرة، وكذلك إلى المصالح الكبرى الحاضرة والمستقبلية التي تجمع فيما بينهم بما يحفز على تنمية المصالح المشتركة والتجارة البينية بين اعضائها.

صحيح أن هذه الرابطة لم تحقق كل المأمول منها، ولكن صحيح أيضاً أنه كانت هناك محاولات مصرية وعربية عديدة بُذِلت خلال العقود السابقة للتجديد في فكرة الجامعة وفي عملها من أجل تمكينها من التلاؤم مع المتغيرات والتحولات الكبرى الحاصلة في العالم من حول دولها بعد تاريخ تأسيس الجامعة. لكن تلك المحاولات ما استوتْ على سُوقها لأسبابٍ مختلفة. ومن تلك الأسباب سياسات المحاور على اختلافها، والسياسات الدولية، وعدم الإصغاء لدى عدد من الدول الأعضاء لوقْع العالم، ووقْع المشكلات المتكاثفة على العرب أمةُ وانتماءً ووجوداً.

أيها السيدات والسادة،

الآن تمر أمتنا وبلداننا العربية بمرحلة صعبة وخطيرة، حيث تتعرض لمخاطر الحروب والصراعات الداخلية والاجتياحات والتدخلات الخارجية ولمخاطر التفكيك والشرذمة. كذلك أيضاً فإنها تتعرض لمخاطر كبرى من نوع آخر تتسبب بها مجموعات إرهابية نشأت وترعرعت في كنف إسرائيل وكنف أنظمة الاستبداد وبعض الدول الإقليمية وهي تحاول ان تتستر بالدين، والدين والأخلاق منها براء. وهي ترتكب جرائمها في الدول العربية وخارجها وتتقصد منها تشويه الإسلام وتشويه العروبة وفي المحصلة الإطاحة بالقضايا المحقة لشعوب أمتنا العربية.

ويحصلُ هذا كله في الوقت الذي تعاني فيه أمتنا وبلداننا من تراجع وهزال وضعف في اوضاعها وفي الروابط التي تجمع فيما بينها حيث تسود فيها الخلافات والفتن العرقية والطائفية والمذهبية التي سعت إسرائيل والأنظمة الاستبدادية وبعض الدول الإقليمية إلى إشعالها بهدف إضعاف الأمة ومكوناتها. في هذا الوقت نفتقد الإطار الجامع ونجد أنفسنا أننا أصبحنا في أمس الحاجة لأن نعمل على استعادة وتثبيت إيماننا بالعروبة المستنيرة.

العروبةُ التي نؤمن بها هي التي تجمعُ بين العرب وتشجع كل معاني وقيم التوسط والاعتدال والانفتاح والحوار والتسامح والحرية والديمقراطية. العروبة التي تؤمن بمشروعية التعدد ضمن احترام الإطار الوطني للدول التي ترعى حق الاختلاف وترفض نزعات الإقصاء والتكفير أو التفتيش في ضمائر المؤمنين وتحترم الآخر المختلف. العروبة التي نؤمن بها هي أيضاً العروبةُ المؤمنةُ بالدولة المدنية المعترفة بحقوق المواطنين المتساويين والتي تحترم حقوق الإنسان على أساس الاعتراف بحقوق وواجبات المواطنة دون اي تمييز بين المواطنين على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو مناطقي.

أيها الإخوة والأخوات،

في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها أوطاننا وأمتنا، وفي ظل عدم وجود البديل المأمون، لا ينبغي الإصغاء للدعوات التي تقول بإلغاء الجامعة لأنها فشلت. إنها في الوقت الحاضر وفي غياب أي رابطة أخرى باتت أكثر ضرورة وإلحاحاً لكونها تنهض بهذه المسؤولية الكبرى في جمع الأمة بكون الجامعة تبقى الرمز المتبقي للانتماء الواحد. إنها وفي زمن الشرذمة والتآكُل هذا، فإنها تبقى أداةً شديدةَ الأهمية، يمكننا أن نتعاون جميعاً من خلالها من أجل إيقاف التردي، مستندين في ذلك إلى قواعد التكامل والاعتماد المتبادَل وتنمية التجارة البينية بين دولنا وشعوبنا العربية. وفي هذا الإطار لا بد من التأكيد على ضرورة تطوير آليات عمل جامعة الدول العربية، ودعم الجهود الراهنة وتكثيفها لإعادة صياغة ميثاق الجامعة ونظامها الداخلي بما يتلاءم مع التحولات والظروف المستجدة والتطورات الإقليمية والدولية. لذلك فإن ما يلجأ اليه البعض احياناً الى الكفر بالانتماء العربي فضلاً عن تجاهل الجامعة فإنها بنظرنا مواقف غير بناءة وغير مفيدة. ونحن عندما نقول إنه ينبغي الإصغاء لعوامل ووقائع المصالح الوطنية والاقتصادية المشتركة، فليس ذلك تجاهُلٌ لمبادئ الانتماء العربي وضروراته. بل إنّ مسألة التكامل التي اتخذتموها شعاراً لمؤتمركم التاريخي هذا وفي مصر ومن مصر، فإننا في ذلك نُصغي في الحقيقة لهذه الأمور كلّها بدءًا بالانتماء والمبادئ وسيراً لإحقاق هذه المبادئ بحيث نكون بالتكامل والاعتماد المتبادَل عرباً قولاً وفعلاً.

أيها السيدات والسادة،

لن يتحقق ذلك إلاّ بالتعاون والتكامل والاعتماد المتبادل بين دولنا وبين مجتمعاتنا العربية والعودة إلى التأكيد على نظام المصلحة العربية وإعادة بناء التوازن الاستراتيجي في المنطقة العربية.

لنتذكر دوماً بأن النجاح يمكن أن نستولده من رحم الفشل والمشكلات التي ابْتُلينا بها أو ساهمنا نحن في إلحاقها بأنفسنا، وان التألق يمكن أن يحصل من عتمة الظلام وان الريادة العربية ممكنة التحقق إذا نحن فعلاً أردنا ذلك.

أيها السيدات والسادة،

على مدى تاريخنا الماضي والحاضر لم يكن الأمل وحده ما كنا نحتاجه، وعلى أهميته الكبرى، في مواجهة المحن والأزمات وتحقيق النهوض الذي نريده. ولكن ما كان نصيرَنا في الماضي وسيكون نصيرَنا الآن وفي المستقبل هو الشجاعة في مواجهة الحقيقة وفي المبادرة الى اجتراح الحلول الصحيحة والحقيقية والدائمة وفي الإرادة الصامدة والثابتة والمثابرة في شتى مجالاتها حتى يتمَّ لنا ما نريد وتريده شعوبنا العربية.

إني متفائلٌ بأنّ التجديد في الخطاب والعمل يأتي وسيأتي من أكثر من دولة عربية ولاسيما من مصر الذي يتشوق شعبها وتتشوق معه الشعوب العربية الأخرى من أجل أن تعود مصر للعب الدور العربي الكبير الجامع للعرب. الدور المؤهل لها والتي هي فعلاً مؤهلة له.

تحيةً لمصر العربية والعروبة. وتحيةً للجامعة في عيدها السبعين. وتحيةُ لمؤسسة الفكر العربي التي حملت وتحمل أعباءً ومسؤولياتٍ تتعلق بحاضر العرب ومستقبلهم. إنه مخاضٌ هائلٌ ذاك الذي نمر به. وإحياء الجامعة العربية وتجديدها هو سبيل هام للخروج من هذا المخاض، والدخول في الزمن العربي الجديد، زمن التكامل والاعتماد المتبادل، زمن العصر، وعصر العالم.

تاريخ الخطاب: 
07/12/2015