الريئيس السنيورة : هناك في إسرائيل مجموعة يمينية متطرفة على رأسها رئيس الوزراء نتنياهو وعدد من القيادات الإسرائيلية من أصحاب الرؤوس الحامية الذين فشلوا حتى الآن في تحقيق أي إنجاز

اجرت قناة العربية الحدث من محطة العربية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول اخر اتطورات في المنطقة وفي ما يلي نصه:
س: من بيروت ينضم إلينا رئيس الوزراء اللبناني الاسبق فؤاد السنيورة.
دولة الرئيس مرحباً بك. كيف يمكن أن يُحْمى لبنان ولا أن تنزلق فيه الأمور إلى ما هو أكثر مما يجري الآن من مواجهات على الحدود؟
ج: مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. مما لا شك فيه أننا نشهد الآن في لبنان- وبشأن لبنان- سباقاً محموماً ما بين محاولات احتواء الوضع وبين محاولات تفجيره. ومما لا شك فيه أيضاً أنّ هناك في إسرائيل مجموعة يمينية متطرفة على رأسها رئيس الوزراء نتنياهو وعدد من القيادات الإسرائيلية من أصحاب الرؤوس الحامية الذين فشلوا حتى الآن في تحقيق أي إنجاز بما خصّ الاهداف التي وضعوها للمعركة البرية التي تشنها إسرائيل على غزة. إذْ أنّ الإسرائيليين لم يحققوا أي إنجاز استراتيجي أساسي حتى الآن، باستثناء أنهم قتلوا ودمروا وجوّعوا وعطّشوا وعذّبوا السكان المدنيين في غزة. والآن الحكومة الإسرائيلية ومعهم أصحاب الرؤوس الحامية أصبحوا خاضعين للضغوط التي تمارسها مجموعات من الأهالي الإسرائيليين الذين أُسِرَ عدد من أولادهم، وأيضاً للضغوط التي يشنها عليهم أولئك الذين هُجِّروا من القرى والمستعمرات المحاذية للبنان من المستوطنات الموجودة في غلاف غزة.
لقد أصبحت هذه الضغوط كبيرة جداً عليهم وعلى الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من تلك الضغوط، فإنّه يجب أن لا ننسى أنّ نتنياهو يشعر باقتراب نهايته السياسية لأنه وبمجرد ما ان تنتهي هذه الحرب، أو حين التوصل إلى أي تسوية، فإنّ مصيره أصبح معروفاً وتدل على ذلك استطلاعات الرأي، والإحصائيات التي تتم داخل إسرائيل، والتي تبين التدهور الكبير في شعبيته وشعبية هذه الحكومة التي تسيطر عليها مجموعة من المتطرفين.
السؤال الكبير الذي تطرحه بعض النخب الإسرائيلية السياسية والأكاديمية المعارضة ويتمحور حول كيف يجوز السماح لبنيامين نتنياهو بأن يستمر بجنونه وعناده في اختراع الحروب والمواجهات على أكثر من جبهة، وبالتالي أن يستمر في الدفع باتجاه توسيع نطاق الحرب أو إطالة أمدها، وبالتالي إلى جرّ دول عديدة في المنطقة وخارجها للتورط بها.
س: كيف يمكن ترويض هذه الرؤوس الحامية لكي لا تتفاقم حماوتها وتنفجر الأوضاع إلى ما هو أدهى وأمر؟
ج: هناك أمران أساسيان يجب أن ندرك أهميتهما: الأمر الأول، وهو أنه- وبالفعل- هناك أكثرية كبيرة وساحقة في لبنان لا تريد أن يزجّ بلبنان في هذه الحرب العسكرية، وبالتالي في أن يتورّط اللبنانيون في هذه الحرب الدائرة هناك. هذا لا يعني أن لبنان لا يؤيد المطالب الفلسطينية. على العكس من ذلك، فإنّه يعلم الجميع كم ضحى لبنان، وهذا من واجبه القومي والوطني، من أجل القضية الفلسطينية على مدى كل هذه العقود الماضية، وهو لايزال يلتزم بهذه القضية العربية المحقة. والجميع يعلم أن لبنان تعرّض على مدى العقود الخمسة الماضية لستة اجتياحات عسكرية إسرائيلية. لذلك، فإنّ لبنان ملتزم بتأييد حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم ويكون لهم وطنهم. ولكن، وعلى صعيد الانغماس في هذه الحرب المدمرة، فإنّه ليس من الممكن للبنان أن ينخرط أو يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، ولاسيما أنّه لا يستطيع أن يغير كثيرا في المعادلات العسكرية والتي نشهد عينة منها من خلال ما نجحت إسرائيل حتى الآن في القيام به في اغتيال وتصفية عديد من المنضمين إلى حزب الله. فلقد شهد اللبنانيون بأمّ عيونهم كيف تجري عمليات اغتيال أولئك المنتمين والقياديين في حزب الله، وآخرها ما شاهدناه اليوم، وحيث يتفوق الإسرائيليون في تنفيذ تلك العمليات عن طريق الاستخبارات الدقيقة التي لديهم، وأدوات القتل والاغتيال المتطورة تقنياً التي لدى الجيش الإسرائيلي.
إنّ موقف لبنان الثابت بكونه الذي لا يريد الانخراط في أتون هذه الحرب، هو أيضاً بسبب أنّ لبنان يعاني من ثلاث أزمات عميقة كل واحدة منها كافية لتحول دون انخراطه وتورطه، وهي: أزمة سياسية ووطنية، وأزمة اقتصادية، وأزمة النازحين السوريين. كذلك أيضاً لأنه لا تتوفر لدى لبنان شبكة الأمان السياسية والمالية- العربية والدولية- التي تمكنه من التصدّي لتداعيات المشاركة في هذه العملية العسكرية الخطيرة والمدمرة، وهي الشبكة التي كانت موجودة لدى لبنان في العام 2006 ونفتقدها الآن. وفي المحصلة، لا تأييد لتورط لبنان في هذه الحرب. وهذا ما يعرفه حزب الله وجمهوره وتعرفه أيضاً الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولاسيما بما لها من تأثير على السيد حسن نصر الله.
الأمر الثاني، وهو على الصعيد الإسرائيلي. في هذا ا لمجال، فإنّي أعتقد أن هناك دوراً نشطاً وملتزماً أكثر، يتوجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تقوم به. وهنا علينا أن نقول الحقيقة، إنّه وعلى مدى الثلاثين سنة الماضية، شاهدنا الكثير من اللامبالاة وغضّ النظر، وكذلك المزيد من التآمر من قبل العديد من المسؤولين في الدول الكبرى من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الذين سكتوا على كل الانتهاكات التي كان ولايزال يرتكبها اليمين الإسرائيلي. ومن ذلك ما أدّى إلى اغتيال إسحاق رابين وبعد ذلك في تولي اليمين الإسرائيلي المسؤولية في الحكومة الإسرائيلية. ومن ذلك أيضاً، في غضّ النظر عن زرع الضفة الغربية بهذا العدد الكبير من المستوطنات والتضييق على الفلسطينيين والفصل العنصري فيما تمارسه إسرائيل من سياسيات وإجراءات يمنية متطرفة في الضفة الغربية. وعلى ما يبدو، أن تلك الدول- ومعها إسرائيل- كانت تظن أنها قادرة على تصفية القضية الفلسطينية. وبالفعل، فإنّ تلك الدول وفيما ظهر بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انهم خانهم ظنهم، وثبت أنّ القضية الفلسطينية غير قابلة للتصفية.
س: ألا يمكن القول أنّ حزب الله، وأن قواعد الاشتباك في لبنان قد تغيرت، وأن من حقّه أن يرد على إسرائيل، ومن حقه أن يتصرف كما يريد؛ أو أن هذا الأمر يجب أن يكون حصراً تحت سلطة الدولة اللبنانية؟
ج: المفروض أن تكون كل هذه الأمور تحت سلطة الدولة اللبنانية حصراً. ولكن في الحقيقة، وكما نعلم جميعاً أن الإرادة اللبنانية والسلطة اللبنانية أصبحتا مخطوفتين من حزب الله، وأنّ حزب الله يتَّبع وينفذ ما تمليه عليه القيادة الإيرانية، وللحقيقة بما يخدم مصالحها، وليس بالضرورة ما يخدم مصلحة الفلسطينيين والعرب.
نحن الآن نجد انّ الوضع الحالي في لبنان، وفي هذه المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، أن إسرائيل والحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي يعملون صبح مساء، ومصممون على استفزاز حزب الله، ولاسيما من خلال هذه المجموعة المتزايدة من الاغتيالات والاستهدافات التي ترتكبها إسرائيل عبر الوسائل المتقدمة التي لديها أكان ذلك من خلال الاستخبارات القوية التي لديها أو من خلال التقنيات العالية التي تتبعها والأسلحة المتقدمة التي تستعملها، وذلك لدفع حزب الله إلى الوقوع بفخ الانخراط في المواجهة العسكرية على مصراعيها. هكذا إسرائيل تستفز حزب الله.
المراهنة الآن لدى لبنان تتركز على عدم وقوع الحزب في هذا الفخ. هذا مع العلم أنّه- وكما تبين حتى الآن- أن لا إيران تريد أن تنخرط في هذه العملية العسكرية ولا حتى حزب الله. وذلك، وحسب ما تبين من خلال التصريحات التي ادلى بها السيد حسن نصر الله على مدى هذه الأشهر الثلاثة الماضية.
س: هل تبرر هذه التصرفات استناداً إلى ما جرى في تموز في العام 2006 عندما لاقى الحزب تأييدا من بعض الطبقة اللبنانية سواء السياسية أو الاجتماعية. وقتها كانت الأمور هكذا أما الآن، فلربما أنّ الحزب يشعر بأنه لا قبول لدى اللبنانيين بأي سلوك يؤدي إلى تورط لبنان في هذه الحرب، وبالتالي كيف ستتطور الأمور حسب هذا السيناريو؟
ج: بدون أدنى شك، أنّ حزب الله، وبالإضافة إلى موقف الدولة الإيرانية، فإنّ كلاهما يدركان عظم المخاطر الكبرى التي قد تواجههما في حال توسيع حدة ونطاق الحرب. وهما يعلمان تمام العلم أن ليس هناك تأييداً لبنانياً لأي انخراط أو زج للبنان في هذه المعركة العسكرية. فلذلك، يتحفظ ويحرص الحزب حتى الآن على اتخاذ مثل هذا القرار. وذلك لإدراكه بنتيجة عدم وجود أي تعاطف لبناني داخلي وجدي داعم للحزب في هذا الصدد، وهو بالتالي يتخوف من النتيجة التي سيصاب بها الحزب وسيصاب بها لبنان نتيجة اندلاع هذه الحرب. كذلك أيضاً لعدم وجود قرار إيراني يؤيد هذا لانخراط. ولذلك، فإنّ الحزب يحاول أن يرضى جمهوره، وذلك بأنه يضع اللوم على إسرائيل بأنّه إذا حصل ان قامت إسرائيل بشنّ حرب شاملة على لبنان، فإنّه سيواجه إسرائيل حتى النهاية، وذلك مع معرفته إلى ما سيؤدي إليه ذلك من مخاطر كبرى سيتعرض لها لبنان.
في هذا الصدد، أنا لا أشك أن شنّ هذه العملية العسكرية وزج لبنان فيها سوف يؤدي إلى خسائر كبرى سوف تتعرض لها إسرائيل، ولكن ألا يسأل أحد من هؤلاء ماذا ستكون النتيجة الساحقة والمدمرة التي سيُصاب بها لبنان واللبنانيون أيضاً؟!
س: دولة الرئيس ماذا عن الأطراف الخارجية يقال وينقل إلينا بأن فرنسا تعمل مع الولايات المتحدة. إيران تحاول ضبط الأمور نريد أن نعرف ما هو دور فرنسا، وما هو الدور الذي تقوم به الآن الولايات المتحدة وكذلك إيران وهل ما تقوم به هذه الدول هو على حساب منصب رئاسة الجمهورية؟
ج: موضوع رئاسة الجمهورية شيء آخر وهو أمر يجب أن لا يغيب الاهتمام به عن بالنا. لأنّ لبنان هكذا واستمرار وضعه بدون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي عدم إعادة تكوين مؤسساته الدستورية، فإنّ لبنان في تلك الحالة لا يستطيع أن يواجه أي مشكلة من المشكلات التي تعصف به، وتلك التي ستواجهه حتى بعد انتهاء الحرب في غزة. إذْ لا يمكن للبنان أن يستمر بدون رئيس للجمهورية. ولذلك يجب أن لا يغيب هذا الأمر عن الاذهان. ولكن يجب ان لا نخلط الأمور مع بعضها بعضاً ونربط بين انتخاب الرئيس، وموضوع حلّ مشكلة غزة أو إيقاف الحرب عليها.
بدون أدنى شك هناك إشارات مهمة حول اهتمام الدول الأخرى بما يجري في لبنان، ولنكون واضحين الأوروبيين مهمين في هذا الشأن، ولكن القرار المهم كما الحظ، انّه أساساً، هو لدى الولايات المتحدة الولايات المتحدة، وهي قد أرسلت رسالة مهمة لإسرائيل ولا سيما بعد أن حشدت الولايات المتحدة حاملتي طائرات وعدد كبير من السفن الحربية مباشرة بعد السابع من أكتوبر الماضية. ولكن بعد ذلك ذهبت الحاملة الأولى إلى البحر الأحمر والثانية غادرت البحر الأبيض المتوسط. وهذه هي الرسالة الأمريكية التي أرسلتها إلى إسرائيل ورئيس وزرائها وهي مهمة. وذلك بأنها لا تريد توسيع نطاق الحرب. ولكن، ومع ذلك، فإنَّ هذا لا يكفي، وبالتالي يجب أن يتبعها رسائل أخرى وجهود أخرى من قبل الولايات المتحدة. الآن أميل إلى الظن أن هناك مسعى أميركي من أجل التوصل إلى التقدم على مسار إيجاد الحلول لمشكلة غزة، ولمشكلة تورط لبنان في معركة غزة. ولكن هذا الأمر يلزمه ارادة حازمة.
كما أميل إلى الظن أيضاً أن الرئيس بايدن يشعر أنه الآن على وشك أن تبدأ المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، وبالتالي لا يستطيع الرئيس الأميركي أن يدخل هذه المعركة، وينجح فيها في مقابل ذلك المرشح القوي ترامب، إذا لم يستطع أن يحقق إنجازاً في هذه الحرب المحتدمة في الشرق الأوسط التي لها انعكاسات خطيرة أيضاً على الحرب التي تشارك فيها الولايات المتحدة والجارية الآن في أوكرانيا.
الوضع حتى الآن غير محلول في غزة وفي لبنان. والرئيس بايدن خسر كثيراً حتى الآن بنتيجة هذا الموقف المائع الذي اتخذه منذ البداية بإعطاء إسرائيل شك على بياض، وذلك للتغطية على استمرارها في تقديم الترخيص بالقتل لإسرائيل الذي مارسته، والذي لاتزال تمارسه في غزة.
وإسرائيل في حربها المجرمة والتدميرية هذه، تمتهن كل الكرامة الإنسانية لسكان عزة. إذْ أنَّ هذا الأمر الذي يجري في غزة غير مقبول، وكذلك الذي يجري في الضفة الغربية هذا الشيء يخالف أبسط قواعد احترام حقوق الإنسان.
