الرئيس السنيورة لتلفزيون الشرق: المشكلة تتمثّل في أنَّ إسرائيل تحاول أن ترفع نسبة التوتر على الجبهة اللبناني

اجرى تلفزيون الشرق حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تطرق الى اخر التطورات في لبنان والمنطقة وفي ما يلي نصه:
س: معنا من بيروت رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة أسألك ماذا حمل هوكشتين في زيارته إلى لبنان هناك حديث عن مقاربة جديدة كيف تقرأها؟
ج: يحفل الجو السياسي في لبنان الآن بعدد من الزيارات التي يقوم بها وزراء وممثلين لعدد من الدول الأوروبية وغيرها، كما يأتي اليوم السيد هوكشتين مرسلاً من الإدارة الأميركية ليقترح أفكاراً حول الوضع الأمني والعسكري المتأزم بين إسرائيل ولبنان.
المشكلة تتمثّل في أنَّ إسرائيل مدفوعة بحمأتها، وتحت ضغوط تطرف العناصر اليمينية لديها، وبرغبتها في التعويض عما لم تستطع أن تحققه من أهدافها الاستراتيجية حتى الآن في غزة، فهي تحاول أن ترفع نسبة التوتر على الجبهة اللبنانية التي اشتعلت منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي عمد إليها وبدأها آنذاك حزب الله، وهو الأمر الذي أدّى إلى قصف متبادل ولايزال وإن كان بشكلٍ مضبوط حتى الآن.
وكذلك بسبب الضغوط التي تتعرّض لها الحكومة الإسرائيلية من قبل النازحين الإسرائيليين من القرى والبلدات والمستعمرات في الشمال، وبالإضافة إلى الضغوط التي يمارسها أهالي الأسرى لدى حماس، فإنَّ إسرائيل تبدو مصمّمة على القيام بعمل عسكري معين وواسع ضد حزب الله في لبنان. وهي، وللحؤول دون ذلك، فإنّ إسرائيل تطالب بأن يصار إلى وقف العمليات العسكرية التي يقوم بها حزب الله ضدها. بينما وفي المقابل، فإنّ حزب الله، ورداً على الاستفزازات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد الحزب، والمتمثلة بالقصف الذي يتخذ في بعض منه شكل عمليات الاغتيال التي تستهدف أعضاء وقياديين في حزب الله، وبما يوقع خسائر كبيرة يُمْنى بها الحزب والقرى اللبنانية، بما يجعل الحزب مضطراً إلى الرد، وبما يؤدي في المحصلة إلى تصاعد العمليات العسكرية، وبالتالي زيادة المخاطر لجهة الانزلاق نحو مواجهة عسكرية واسعة.
المشكلة أن حزب الله، وهو الذي يخطف القرار السيادي اللبناني، يقول بأنه على غير استعداد بأن يقوم بأي خطوة لوقف ردود فعله على الاستفزازات الإسرائيلية ما لم يتوقف إطلاق النار في غزة، وتتوقف الحرب هناك. وبالتالي يستمر الموقف الإسرائيلي في التشدد والاستفزاز مع تفضيله- حسب ما يقول المبعوث والوسيط الأميركي هوكشتين- اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية. وهكذا يبدو أن الوسيط الأميركي يحاول أن يتوصل إلى ما يسمى وقف العمليات العسكرية ما بين إسرائيل وحزب الله في خضم تصاعد عمليات الفعل وردود الفعل.
س: قبل قليل كنا نتحدث عن زيارة هوكشتين لبيروت، وهو قال أنّ الولايات المتحدة تفضل الحل الدبلوماسي ويبدو أن هناك مقاربة أمريكية جديدة. هل ترى في الحل الدبلوماسي فرصة أو هل تراه ممكن في هذه المرحلة؟
ج: لا شك أن الوسيلة الوحيدة الممكنة في هذه المرحلة الخطيرة من التصعيد، والذي قد يصل إلى حدود انفلات الأمور تكمن في العمل الجدي للذهاب إلى اعتماد الوسائل الدبلوماسية. وهذا ما يبدو حتى الآن من هذه المحاولة الأميركية التي يفترض بها أن تضغط بها على إسرائيل، وأن تتقدم بالتالي نحو إيجاد حلول جدية للتوصل إلى قاسم مشترك يحقق التهدئة. لأن استمرار الحال من التصعيد المستمر على النسق الذي شهدناه خلال الأسابيع الماضية قد أصبح يشكِّل استفزازاً مستمراً، ولاسيما وأنّ الجيش واليمين الإسرائيلي- وعملياً- يستميتان في محاولاتهما لجر لبنان لكي ينزلق نحو المواجهة العسكرية الشاملة وهذا ما لا يريده لبنان ولا تريده الحكومة اللبنانية ولا الغالبية الساحقة من اللبنانيين. وهو أمر لا يقدر عليه لبنان، ولا يجوز للبنان أن ينزلق نحو هذه المواجهة الشاملة والمدمرة.
من جهة أخرى، فإنّي أميل إلى الظن أنّ حزب الله وإيران لا يريدان أن يتوسع الصدام في هذه المواجهة العسكرية. وبالتالي، فقد أصبح ضرورياً وجوب أن يصار إلى بذل جهد دبلوماسي أكبر من قبل الولايات المتحدة، وذلك عبر الضغط على الحكومة الإسرائيلية التي تتصرف الآن تحت تأثير المتطرفين اليمينيين في إسرائيل، وكذلك تحت تأثير الوضع الذي أصبح فيه نتنياهو، والمتعلق بحتمية مستقبله السياسي المظلم.
هذا علماً- وعلى ما يبدو- أنّ الإسرائيليين لا يستطيعون أن يستمروا بهذه الحال، ولاسيما أنّ هناك عدداً كبيراً من النازحين الإسرائيليين الذين يمارسون ضغوطاً هائلة على الحكومة الإسرائيلية. وبالتالي، فإنّ هذه الأمور أصبحت مرشحة للمزيد من التفاقم، وتستدعي التفتيش عن حلول وسط سريعة.
س: برأيك، هل تعولون على الضغط الأميركي على إسرائيل، وكذلك ما هو المطلوب من الجانب اللبناني خاصة وأنّ حزب الله الآن يقول إن لم تتوقف الحرب بشكلٍ كامل في غزة، فغنه عندها لا مباحثات على المستوى السياسي؟
ج: طبيعي تمنياتنا جميعاً- لبنانيين وعرباً- أن يصار إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار على حدود لبنان الجنوبية، وكذلك في إيقاف الحرب على غزة. هذا ما نتمناه جميعاً. ولكن الخطورة تكمن في أنه يجري ربط وضع لبنان في استمرار هذا الوضع الصعب في غزة. وبالتالي، فإنّه من الخطورة بمكان كبير أن يصل لبنان إلى نقطة بحيث يجري ربط لبنان وجعل وضعه، ووقف شنّ الحرب عليه، معلقاً إلى أن تتوقف الحرب على غزة، فإنَّ هذا أمر خطير جداً لا يستطيع لبنان أن يتحمله ولا أن يصبح في هذا الموقف.
ولذلك، فإنّه ينبغي العمل بسرعة لتحفيز الدبلوماسية الأميركية في هذا الشأن، لما يمكن أن تقوم به من أجل إيجاد حلول لهذا الوضع الخطير الذي بات فيه لبنان، بما في ذلك النظر في إمكانية التوصل إلى هدنة مؤقتة في غزة عبر تكرار عملية تبادل بعض الأسرى لقاء هدنة ليست بالقصيرة، أو ربما لأي سبب آخر، بحيث يمكن التوصل إلى تهدئة ما مِنْ أجل الفلسطينيين في غزة ومن أجل اللبنانيين أيضاً.
ولكن إذا استمر العناد من قبل الأطراف الثلاثة الذين هم معنيون في هذه العملية، إذْ ليست الحكومة اللبنانية- وياللأسف- هي صاحبة القرار في ما خصّ موضوع الحرب التي قد تشنها إسرائيل عليه. فالحزب هو الذي يقرر في شأن احتمال زيادة اشتعال النيران في المنطقة. ذلك بالإضافة إلى طرفين آخرين، وهما حماس وإسرائيل. وبالتالي، فإنّ هناك حاجة لتحقيق نوع من التقارب بين المواقف المختلفة للأطراف الثلاثة، وباتجاه أن يتحقق نوع من الإنجاز على هاتين الساحتين في جنوب لبنان وفي غزة بطريقة أو بأخرى، بحيث يشعر الجميع بأنهم حققوا إنجازاً في هذا الأمر، وإلاّ فإنّ هناك مشكلة مهدّدة بالتفاقم في كل من غزة ولبنان، وهو ما يعني أن يتعرَّض لبنان إلى مخاطر إضافية لا قبل له بها.
س: دولة الرئيس التقيتم اليوم بسفير قطر هل تحدثتم عما يحدث في الجبهة الجنوبية وهل لمستم أي إمكانية أو طريق للتقدم في هذا المجال؟
ج: لا أعتقد أنّ دولة قطر بالذات هي الجهة المؤثرة والفاعلة الأساس في هذا الشأن الشديد الصعوبة. هناك هؤلاء الفرقاء الثلاثة، وذلك إلى جانب الولايات المتحدة. وهم يشكّلون الأطراف الأساسيين، ولكن اللاعب الأساسي هنا يبقى الدور الذي يمكن ان تقوم به الولايات المتحدة الأميركية.
قد يكون هناك عمل من وراء الستار يمكن أن تقوم به دولة قطر، وذلك عبر التواصل مع حماس من أجل حياكة خيوط عديدة ينبغي وصلها للخروج من هذا المأزق، وبالتالي ربما هناك إمكانية للمفاوض القطري أن يقوم بدور بهذا الشأن، وهذا يتعلّق بعلاقته مع حماس. وكذلك ربما، ومن جانب آخر، بالنسبة للحكومة اللبنانية، وعبر الرئيس بري على جانب حزب الله.
ولكن، وها نحن نقترب من حافة الهاوية بشكل أكبر بكثير مما كنا عليه قبل فترة. وفي هذا الصدد، فإني ما زلت أعول على دور الولايات المتحدة بشأن إمكانية التوصل إلى منع انفلات الأمور من عقالها. وهذا أمر قد يصبح شديد الخطورة ما لم يصار إلى لجم أصحاب الرؤوس الحامية في إسرائيل الذين يتمنون توسيع نطاق هذه الحرب. في المحصلة، فإنّي أعتقد أن على الولايات المتحدة أن تأخذ القرار، وبالتالي التصرف اللازم، وعليها أن تقدم عرضاً جدياً وأساسياً يكون مقبولاً في سبيل الحؤول دون المزيد من التدهور.
إنّ ما صرح به السيد بلينكن اليوم من القاهرة هو خطوة جيدة على طريق التقدم نحو الحل الشامل، وهو دعوة لإطلاق فكرة بأنه ليس هناك من حلول حقيقية تأخذ المنطقة بأكملها نحو الخروج من هذا المأزق الكبير الذي لاتزال ترزح فيه منطقة الشرق الأوسط، وعلى مدى هذه العقود الماضية، غير العودة لحل الدولتين، وذلك على أساس المبادرة العربية للسلام. ولكن تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ هذا الوضع قد تطور سلباً منذ 30 سنة حتى الآن، ولاسيما وبعد استمرار الانتهاكات التي لاتزال ترتكبها إسرائيل للحؤول دون تطبيق حلّ الدولتين، ولاسيما عبر زرع الضفة الغربية بهذا العدد الكبير من المستوطنات والمستوطنين، وهو ما لا يمكِّن الفلسطينيين من الخروج من هذا المأزق الخطير بسهولة، حيث أنه قد أصبح واضحاً أن لا حل شامل ودائم إذا لم يصل الجانب الفلسطيني والجانب العربي إلى ضمان أن يكون للفلسطينيين وطن ودولة مستقلة لهم. وهذا الأمر هو الآن بيد الدبلوماسية الأميركية التي يُمكن ويجب عليها أن تلعب دوراً بناءً في هذا الشأن.
