الرئيس السنيورة : هدف القيادة الاسرائيلية توسيع الحرب لكي يبقى نتنياهو في السلطة ولبنان غير قادر على تحملها

اجرت قناة ومنصة المشهد حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناول مختلف المواضيع الراهنة وفي ما يلي نصه:
س: نرحب بضيفنا من بيروت رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة. دولة الرئيس، هناك تهديدات إسرائيلية يومية وتحشيدات إسرائيلية على الجبهة الشمالية، وأيضاً اغتيالات لرجالات من الصف الأول والثاني في حزب الله، وبوتيرة شبه أسبوعية، وربما تكون يومية. كيف تتابعون هذا المشهد؟
ج: مما لا شك فيه انَّ ما شاهدناه خلال الأسابيع القليلة الماضية من استهدافات إسرائيلية لعدد من القياديين في حزب الله، وأيضاً لقيادات فلسطينية في لبنان أمر يستوجب الانتباه، ولاسيما أن الاستهدافات الإسرائيلية لا تقتصر على لبنان، بل وتطال قياديين إيرانيين في سوريا، وذلك فضلاً عما جرى في العراق وما يجري أيضاً في اليمن. وكل ذلك يدل على أمر أساسي واحد، وهو رغبة القيادة الإسرائيلية في ممارسة الضغط والاستفزاز، وبالتالي الاستدراج لتوسيع نطاق الحرب، ولاسيما لحرب الله ولغيره من أجل دفعهم إلى الانزلاق والمشاركة في عملية عسكرية واسعة. وبالتالي أن يُصار إلى توسيع نطاق الحرب الدائرة في المنطقة.
يعلمُ الجميع أن إسرائيل وضعت أهدافاً كبيرةً للمعركة العسكرية البرية التي تخوضها في غزة، والتي ظهر منها وحتى الآن أنها لم تستطع أن تحقق أي من تلك الأهداف التي وضعتها. كذلك، فإنها لم تستطع أن تغتال قياديين من حماس في غزة، وربما كان ذلك نتيجة وجود تلك القيادات تحت الأرض مما يتعذر معها، وعلى ما يبدو، أن تحقق إسرائيل. الاختراقات الأمنية المطلوبة التي تمكنها من استهداف القياديين في حماس. على عكس ذلك، فقد نجحت إسرائيل في تحقيق اختراق على الساحة اللبنانية، وظهرت هذه الاختراقات أيضاً في سوريا. ذلك مما مكّن إسرائيل من أن تغتال عدد من قيادات حزب الله، وتغتال قيادات فلسطينية في لبنان. ربما حصل ذلك بنتيجة الاختراقات الأمنية، وأيضاً نتيجة اعتماد إسرائيل على التقنيات الرفيعة التي تستعملها للوصول إلى تلك الأهداف العسكرية. والتي هي بالفعل بمثابة اغتيال حقيقي بكل معنى الكلمة، أي أنّ الاغتيال لا يتم بإطلاق الرصاص أو بالمتفجرات الموضوعة إلى جانب الطريق، بل لأنها تتم عبر المسيرات أو عبر القصف الجوي من الطائرات.
الوضع الحالي- كما يبدو بالنسبة للبنان- أن هناك رغبة من قبل نتنياهو الذي يشعر، بل يعرف جيداً أن وقف إطلاق النار في غزة، والتقدّم نحو ما يتحدث عنه البعض، وما يتعلّق بحلّ الدولتين سوف يعني عملياً نهايته السياسية. ولذلك، فهو يسعى لإطالة أمد الحرب ليبقى في السلطة. وهو لذلك يقف حائلاً دون تنفيذ حل الدولتين، ويرفض أن يكون للفلسطينيين وطنهم ودولتهم المستقلة والسيدة. ولهذا الغرض يرفض نتنياهو حل الدولتين. ولذلك هو وأصحاب الرؤوس الحامية في الحكومة الإسرائيلية، وأيضاً المستوطنون المتطرفون، ومن الأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، يحاولون أن يحولوا دون التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي ينهي الأزمة الفلسطينية المستمرة منذ ثمانية عقود، وحيث جرى إفشال مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، وهم يقفون ضد ما تمّ إعلانه في قمة بيروت العربية في العام 2002 بما خصّ المبادرة العربية للسلام.
المؤسف، انَّ ما جرى خلال العقدين الماضيين كان بسبب إمعان اليمين الإسرائيلي بزرع الضفة الغربية بالمستوطنات الإسرائيلية في محاولة لجعل مشروع حلّ الدولتين أمراً مستحيلاً، وكذلك لجعل إنشاء الدولة المستقلة ذات السيادة الفلسطينية التي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة أمراً مستحيلاً. كذلك ولاسيما بنتيجة ما حصل في غزة من تدمير وحشي وغير مسبوق بعد السابع من أكتوبر، مما جعل العيش في غزة غير ممكن بنتيجة التدمير المنهجي الواسع وغير المسبوق. فنتنياهو يعمل كل جهده، وربما خلافاً لرأي الإدارة الأميركية، والرئيس بايدن الذي لم يدّخر وسيلة لدعم إسرائيل بكل ما تحتاجه لممارسة عدوانها وهمجيتها. وها هو الرئيس بايدن الآن بات ينادي بحل الدولتين، وهو يحاول- كما يقول- لاستمالة نتنياهو الذي لايزال يُعانده إلى الآن، وهو يؤكد أنه طالما استمر كرئيس للحكومة الاسرائيلية، فإنّه سيعارض فكرة حلّ الدولتين. ومع ذلك، فإنّ هناك من يقول بأن هناك إمكانية للتوصل إلى نتيجة إيجابية مع نتنياهو لجهة التوافق على حلّ الدولتين. في الحقيقة، لا أرى حتى الآن أنّ هذا ممكن، وبالتالي طالما استمر نتنياهو كرئيس للحكومة، فهو سيستمر في عناده، وهو بذلك يخوض معركته الشخصية وبالتالي سوف تستمر الحرب إلى أن تمارس الولايات المتحدة ضغطاً أكبر على إسرائيل.
س: لكن وكأنك تقول دولة الرئيس بأن الحل لتبريد الجبهات هو من خارج لبنان على كل الأحوال بما إنك ذكرت المبادرة العربية للسلام وانت ذكَّرت بها بمقال نشرته في صحيفة الواشنطن بوست وذكَّرت بالشروط العربية لإحلال السلام البعض من جمهور المحور محور. المقاومة تلوم فؤاد السنيورة، وأيضاً سامي الجميل بأن لبنان يريد السلام ولا يريد جبهة مفتوحة مع العدو الاسرائيلي كيف ترد وما هو سبب هذه المقالة التي نشرت بالواشنطن بوست؟
ج: أنا أدرك أنّ قوى الممانعة تتخذ موقفاً سلبياً مني شخصياً بسبب الموقف السيادي والدستوري الذي التزمته على مدى كل السنوات الماضية. للممانعة لها رأيها، وأنا احترم حقها في إبداء الرأي، ولكنني لا أتفق معها على الإطلاق في الموقف الذي يؤدي إلى أن يطبق حزب الله على لبنان واللبنانيين. وأنا ضد استدراج لبنان لخوض هذه المعركة العسكرية. وأنا بالمناسبة كان هذا هو الموقف الذي أدليتُ به يوم 8 أكتوبر، أي في اليوم التالي لاندلاع المواجهة العسكرية في غزة، وحتى قبل أن يبادر حزب الله والسيد حسن نصر الله للمشاركة في هذه العملية العسكرية التي بدأتها حماس. ربما قبل أن يدلي أي فريق آخر في لبنان بموقف مما حصل. فقد أصدرت بياناً أشدْتُ فيه بهذه العملية التي قامت بها حماس، وبأهمية ما قامت به لإثبات أن القضية الفلسطينية غير قابلة للتصفية وأشدْتُ بما قام به المقاومون الفلسطينيون، ولكنني كنت واضحاً وصريحاً بأن لبنان لا يستطيع أن يقبل بأن يُسْتدرَجَ إلى هذه المعركة العسكرية لأن لبنان لايزال يُعاني من عدَّة أزْمات خطيرة جداً، وطنية، وسياسية، واقتصادية، ومعيشية حادة جداً، بما في ذلك أزمة النازحين السوريين، وحيث أصبح وجود لبنان على المحك، وبالتالي ليس لدى لبنان الإمكانيات ولا تتوفر لديه شبكة الأمان التي كانت لديه في العام 2006. كذلك، فإنّه لايزال يعاني مما جرى في العام 2006 منذ الاجتياح الإسرائيلي. وبالتالي، فإنَّ هذا كله لا يمكِّن لبنان من أن ينخرط في هذه العملية العسكرية. ولذلك كان موقفي بأن على حزب الله أن يضبط نفسه وأشدّد على ذلك يومياً.
الحقيقة انني ما أراه حتى اليوم انّ حزب الله لا يزال يضبط نفسه من خلال الرد المضبوط. صحيح أن إسرائيل، ومن خلال هذه الاستهدافات لقياديين من حزب الله، تحاول القيام بالمزيد من الاستفزاز، ولكن لايزال الحزب يضبط نفسه. في الحقيقة أنّه، ومنذ السابع من أكتوبر كانت هناك مواقف أوروبية، وكذلك ومن أميركا وحتى إيران، وكلّها تحضّ على عدم توسيع إطار المعركة العسكرية. وان الولايات المتحدة، وعملت ومنذ اليوم الأول من أجل إعطاء إيران كل التبريرات حتى لا تعمد إلى الانخراط في هذه العملية العسكرية، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله.
أنا أرى أنه ليس لدى لبنان أي مصلحة على الاطلاق في أن ينخرط في هذه العملية العسكرية. هذا لا يعني أن لبنان لا يؤيد حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم. على العكس من ذلك، إذْ يعرف القاصي والداني أن لبنان وعلى مدى جميع العقود الماضية، ومنذ نشأة المسألة الفلسطينية، ولبنان له موقف واضح في هذا الشأن، فهو داعم للحق الفلسطيني. ولبنان كما يعلم الجميع قد تعرض لستة اجتياحات إسرائيلية على مدى العقود الخمسة الماضية. وبالتالي هو لايزال يعاني الأمرين من هذه الأزمات المنهالة عليه، ويبقى موقف لبنان واضحاً في أنه يدعم القضية الفلسطينية سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً، وأنّه متضامن مع اشقائه العرب، وحريص على أن يبقى له هذا الموقف الداعم للقضية الفلسطينية.
لقد عبَّرتُ عن موقفي هذا أيضاً في المقال الذي نشرته في صحيفة الواشنطن بوست منذ أسبوعين بأن يد العرب ممدودة للسلام، وذلك على أساس المبادرة العربية للسلام، وأنّ العرب ليسوا دعاة حرب ولكنهم يريدون حلاً حقيقياً كاملاً وعادلاً ودائماً، وليس على شاكلة الوعود الخُلَّبية التي وُضِعت في أوسلو، وبالتالي جرى تخريبها والتنكر لها من قبل كل الدول الكبرى التي كان يجري تحت نظرها وسمعها وبصرها في عملية زرع الضفة الغربية بالمستوطنات الإسرائيلية من أجل جعل فكرة حل الدولتين عملية مستحيلة.
الآن أرى أن الولايات المتحدة، والتي دخلت الآن في مرحلة سباق الانتخاب الرئاسي، فإنّي أعتقد أنه هناك مشكلة حقيقية لدى السيد بايدن، بل ربما باستحالة فوزه لولاية ثانية. إذْ انَّه يذهب إلى هذه الانتخابات محملاً بأثقال كثيرة، ولديه إشكالات كثيرة، وربما أقول انّ ليس لديه هناك إمكانية للنجاح في هذه الانتخابات الرئاسية من دون أن يستعين إلى ذلك بتحقيق إنجاز على صعيد مهم وكبير، ولاسيما على شاكلة إنهاء المشكلة الفلسطينية، والتوصل إلى حلٍّ دائم وعادل. لا أدري إذا كان السيد بايدن يدرك ذلك، أو انه يريده فعلياً. ولكن هذا الأمر هو مُتاح له لأن يقوم بعمل استثنائي من أجل العمل على دعم مشروع حلٍّ شاملٍ وعادلٍ لهذه القضية، وبما يؤدي به إلى أن يُحْسِّن من فرصه للنجاح في الانتخابات. وأعتقد أن العرب لهم مصلحة أيضاً في ذلك.
في هذا الصدد، لا أدري ماذا سيكون عليه موقف السيد ترامب، ونحن شهدنا ما فعل الرئيس ترامب في الفترة التي كان فيها رئيساً للولايات المتحدة، وكيف قدم المزيد من التنازلات للإسرائيليين، وبالتالي عمد إلى نقل السفارة الأميركية إلى القدس تعبيرا عن تأييده لإسرائيل.
أعتقد أن هناك أموراً كثيرةً تجري على الساحة العربية. ولذلك أرى ويجب أن يتم السعي لما يسمى ضبضبة الوضع الفلسطيني من أجل أن يكون هناك موقف فلسطيني واحد موحد، وتستعيد هذه القضية المحقّة أيضاً عروبتها، بحيث لا تظلّ القضية الفلسطينية العربية في المزاد لمن يريد أن يستغلها ويستعملها لتحقيق أغراضه وأغراض دولته وأعني بذلك إيران أو غيرها.
س: دولة الرئيس ثمة حديث متواتر عن انكشاف الوضع الأمني اللبناني أمام الجانب الإسرائيلي، ويبدو أن حزب الله ومن خلفه إيران ليسا مستعدين لخوض حرب، ولكن على الجانب الإسرائيلي، هناك رغبة في خوض هذا الخطر. هل ستنزلق الأمور برأيك الى حرب؟
ج: تعليقي الأول على ما سمعناه الآن حول ما قاله نتنياهو مؤخراً أنه يقول ويعترف بأن هذه الاغتيالات التي تمت هي من عمل إسرائيل وبعلم وبتأييد منه، وبدون أي تعمية. هذا هو موقفه، وهو يردّد أنه طالما بقي رئيساً للوزراء فلن يؤيد فكرة حلّ الدولتين. هنا علينا أن ندرك أنّ ما جرى في 7 أكتوبر أدى إلى ما يسمى الصدمة الهائلة لدى المجتمع الإسرائيلي، وهو ما ادّى إلى سقوط فكرة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر. إلاّ أنّ هناك من لا يزال يظن أن هناك إمكانية من أجل اللجوء إلى استعمال الحل العسكري. ولكن، وبعد مرور ثلاثة أشهر ونصف على هذه الحرب، فإنّ جميع المؤشرات تبين أن هناك استحالة بالتوصل إلى نتيجة عبر الحل العسكري. وبالتالي، وحيث أنَّ إسرائيل لم تستطع حتى الآن أن تحقق أي من الأهداف التي وضعتها في عملية الاجتياح البري لغزة، فإنّ نتنياهو يحاول الآن أن يسعِّر هذه الجبهات، ويحاول أن يوحي للناخبين الإسرائيليين أن هناك إمكانية من أجل استعادة توازنهم الداخلي عبر اعتماد الحلّ العسكري. ولكن نحن نعرف أنّه وإلى الآن لم تستطع إسرائيل أن تفكّ أسر المعتقلين الإسرائيليين، ولا أن تعيد النازحين في غلاف غزة، ولا في منطقة الشمال على منازلهم. كذلك، فإنّ الإسرائيليين- وعلى ما يبدو- لا يقدرون حق التقدير لما يمكن أن تحمله معها هذه العملية العسكرية التي تريد أن تشعلها عبر الجبهة الشمالية ونتيجة خوضها لمعركة واسعة النطاق مع حزب الله. هناك حتماً آثار سلبية كثيرة سوف تحل على إسرائيل، ولكن نتنياهو بالفعل يريد أن يستعيد المظلومية الإسرائيلية بعد هذا الدمار وهذه الجرائم الوحشية التي ارتكبها هو وارتكبتها إسرائيل في غزة، وهو يريد أن يستعيد المظلومية لإسرائيل، ويبيّن للمجتمع الدولي أنّ إسرائيل تواجه حرباً عالميةً تُشنُّ عليها من عدة جبهات، وبالتالي يحاول استدراج حزب الله لهذه الحرب.
أنا أميل إلى الظن بأن حزب الله سيستمر في ضبط النفس ولن ينجر إلى هذه الحرب المدمرة، ولكن هناك بنفس الوقت نسبة لا بأس بها من الإسرائيليين لاتزال تظن حتى الآن أن بإمكان إسرائيل أن تنتصر إذا ما خاضت معركة عسكرية ضد حزب الله. على صعيد حزب الله، أنا أظن أنّه يتبصر كثيراً في هذا الشأن ويعتقد أنه لا يريد التضحية بما تبقى له من شعبية في لبنان لأن اللبنانيين في الأعم الأغلب منهم لا يريدون للبنان أن ينخرط في هذه العملية العسكرية لمعرفتهم بما سينتج عنها من أضرار هائلة. وأن إيران من جهتها لا تريد أن تضحي بحزب الله أيضاً في حرب كهذه لأنها ستكون حرباً خاسرة. ولذلك لا تريد لحزب الله أن ينخرط في هذه المعركة العسكرية.
أنا أميل إلى الظن أن هناك مفاوضات تجري ما بين الولايات المتحدة وإيران. وهذا الأمر نعرفه من كل التجارب التي مررنا بها في السنوات الماضية من أنه كانت تجري مفاوضات تحت الطاولة ما بين إيران والولايات المتحدة. فلذلك، أنا ما زلت حتى الآن أميل إلى الظن أن احتمالات خوض المعركة العسكرية من قبل إسرائيل في لبنان هي أقل من عدم خوضها لهذه المعركة العسكرية.
