حزب الله الغى الدولة اللبنانية بشكل كامل واتخذ قراره دون العودة للبنانيين

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

اجرت قناة العربية الحدث حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة حول اخر التطورات في ما يلي نصه:

المذيع: التقدم على مسار إيجاد الحلول الآيلة إلى تطبيق القرار 1701، وذلك بالتلازم مع التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وأيضاً التقدم على المسار السياسي والدبلوماسي الذي يؤدي لإيجاد حلول حقيقية ودائمة، وليس عبر اتخاذ إجراءات تؤدي فقط إلى تأجيل المشكلة، بحيث يصار الى تفجير الأوضاع في وقت لاحق.

س: تتحدث دولة الرئيس عن المسار الدبلوماسي وافضلية تطبيقه للحؤول دون توسع نطاق الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله. ولكنه، وفي ظلّ التطورات الأخيرة، فإن الحديث عن الحرب ربما يبدو هو الأقرب، وذلك حسب كل التقارير الصحفية، وحسب ما يبدو من التصريحات الإسرائيلية. وأيضاً في ضوء التحذيرات التي تأتي من دول عربية وغير عربية التي تحذر رعاياها بعدم السفر الى لبنان وحتى في مغادرته؟

ج: صحيح أنَّ معظم المؤشرات ربما تشير إلى احتمال حدوث هجوم عسكري واسع، وان هذا الاحتمال لازال قائماً. هذا علماً أنّ هناك من يقول ان هناك بعض التقدم الذي يجري إحرازه على صعيد المفاوضات بالنسبة لما يجري في غزة. هل هذا صحيح أم غير صحيح؟ لا نستطيع أن نعرف. ولكن، وحتى إذا ما توصل الفريقان في غزة إلى وقف لإطلاق النار، فإنَّ وقف إطلاق النار في لبنان ليس من الضروري أن تلتزم به إسرائيل، وتحديداً ما يتعلّق بجنوب لبنان. لهذا يجب علينا ان نعرف عدونا ماذا يخطط له، وما هي الأمور التي يحرص على تحقيقها. وهل يمكن أن يتم التوصل إلى ما يحقّق للبنانيين سلاماً في الجنوب.

هنا أودّ أن أبين وبوضوح، ولاسيما بعد الذي حصل خلال الاشهر التسعة الماضية، حيث كنتُ شخصياً قد حذرت، وفي اليوم الثاني لطوفان الأقصى، بأنَّ على لبنان ان لا يُقحم نفسه أو ينجرف إلى هذه الحرب الضروس والمدمرة. لا أقول هذا لأنّ لبنان لا يؤمن بالقضية الفلسطينية، وليس لأنه لا يريد ان يضحي من أجل هذه القضية العادلة والمحقة. ولكن لأنَّ لبنان لا يستطيع أن يتحمل اجتياحاً إسرائيلياً جديداً، ومن أي نوع كان. الحقيقة انّ حزب الله عمد إلى التدخل في هذه الحرب ابتداءً من الثامن من أكتوبر الماضي، وهو قد قام بذلك دون علم أو موافقة الدولة اللبنانية. وهو بالتالي عمد إلى إلغاء الدولة اللبنانية بشكلٍ كامل، وهو قد اتخذ القرار بالتدخل في هذه العملية العسكرية مع علمه أن تدخله لا يحظى لا بموافقة الحكومة اللبنانية ولا برضى اللبنانيين. وها نحن نرى، وعلى مدى هذه الاشهر الماضية، ما حصل من خسائر بشرية وكم من ضحية سقطت جراء ذلك، وكم من الجرحى سقطوا، وأيضاً نرى بأمّ العين التدمير الكبير اللاحق بلبنان في كل القرى والبلدات المحاذية للحدود مع الدولة المحتلة إسرائيل. لذلك، فإنّ ما نتمناه ان يصار الى التوصل لنتيجة، وأن يتوقف هذا الاستنزاف العسكري القاتل والمدمر للبنان واللبنانيين.

س: نعم، طيب دولة الرئيس يعني حضرتك لديك خبرة وكنت على راس الحكومة في العام 2006. لذلك، وبالمقارنة مع ما حصل في العام 2006، رأيت ما وقع في الحرب آنذاك. فما بالك الآن في لبنان كدولة ليست بها مؤسسات دستورية وهناك حكومة لتصريف الاعمال وما إلى ذلك. وبالتالي، السؤال أنه، إذا جرى توسيع نطاق الحرب فعليا كيف ستكون تداعيات ذلك على لبنان؟

ج: بدون أدنى شك، إنّ الأوضاع والظروف تغيرت عما كانت عليه في العام 2006. آنذاك لم يكن لبنان يمر بازمة اقتصادية خانقة، وكان هناك موقفاً موحداً لدى الحكومة اللبنانية ولدى اللبنانيين. ولذلك، فقد استطاعت الحكومة اللبنانية آنذاك ان تجمع اللبنانيين، وأن تنجح في تكوين موقف موحد لديهم جميعاً. كذلك، فقد كان لدى لبنان آنذاك شبكات أمان عربية ودولية، وهي التي وقفت الى جانب لبنان ودعمته لكي يتخطّى تلك الأزمة الخطيرة التي مني بها آنذاك. الأوضاع الآن مختلفة جداً.

لقد حذرت في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في بيان أصدرته صباح اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى بالقول بان لبنان يمر بأزمة وطنية وسياسية ودستورية عميقة وصعبة، بحيث أنه لا يستطيع، وحتى الآن أن ينتخب رئيساً للجمهورية، كما أننا كلبنانيين لا نستطيع ان نؤلف حكومة جديدة كاملة الأوصاف. فالمؤسسات الدستورية في لبنان معطلة. كما ان لبنان يمر بأزمة اقتصادية خانقة. ذلك الى جانب أزمة ثالثة كبيرة جداً يعيشها لبنان ويعاني منها وهي ازمة النازحين السوريين الخطيرة والكبيرة. هذا فضلاً عما أشرت إليه إلى أنه لم تعد للبنان أي شبكة أمان في علاقته مع الدول العربية ومع الاصدقاء في العالم، والتي بمجموعها ساعدت لبنان آنذاك من أجل التوصل إلى القرار 1701، وكذلك في الخروج من الوضع الخطير التي تسببت به الحرب من خسائر بشرية ودمار خطير وكبير. لكل هذه الأمور، فإننا لا نؤيد ان ينجرف لبنان في مثل هذه الحرب أو أن يتوسع نطاقها.

س: سنعود إلى المواقف الدولية والعالمية، ولكن دولة الرئيس يعني بعد 2006، وبعد هذه الحرب، حزب الله استطاع أن يبسط نفوذه وسيطرته على الدولة اللبنانية، وبالتالي هل تعتقدون الان بانه يمكن ان يدفع حزب الله لحرب مع اسرائيل لتحقيق مكاسب أكثر؟

ج: ربما ان حزب الله يريد أن يحقق مكتسبات سياسية، داخلية وخارجية وغيرها، جراء هذا التدخل، ولكن دعيني أقول لك ان حزب الله مأزوم، كذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل التي هي مأزومة أيضاً، كما نعلم فإنّه وحتى الان حزب الله لايزال يراهن على مواقفه وهو يتعنت رافضاً التوقف عن إطلاق النار ما لم تتوقف الحرب في غزة. وهو قد أقدم على خوض هذه الحرب دون استشارة أو علم الدولة اللبنانية. وليت الأمر اقتصر على ذلك، فهو مؤخراً اتخذ قراراً خطيراً جداً زاد الطين بلّة، وهو بذلك يستمر في إلغاء الدولة اللبنانية، وذلك عندما أطلق التحذير الذي وجهه لدولة قبرص بشأن مسألة المناورات التي أجرتها قبرص مع إسرائيل، وهو قد أصرّ على إطلاق تحذيره المباشر لقبرص علناً. هذا مع أنّه كان بإمكان السيد حسن نصر الله أن يتصل بالحكومة اللبنانية أو أن يتصل برئيس الحكومة، ويتمنى عليه أن يجد حلاً مع قبرص بدلا من هذا التحذير العلني الذي وجهه لها. وبالتالي، فإنّ ما قام به السيد حسن نصر الله يرقى إلى ما يشبه بإعلان الحرب على دولة من دول الاتحاد الأوروبي.

من دون أدنى شك، إنّ هذا التصرف ليس من صالح لبنان، إذْ أنه ليس من صالح لبنان ان يعادي الاتحاد الاوروبي بدوله المتعددة. هذه كلها أنواع من المشكلات التي يتسبّب بها حزب الله للبنان.

الكثيرون من المعنيين في هذه الحرب الدائرة يقولون انهم لا يريدون توسيع نطاق الحرب، ولكن الأمور قد تتطور إلى الأسوأ ومن دون رغبة الجميع. الآن حزب الله يقول انه لا يود ان يصار الى تصعيد الامور ونحن نعلم كلنا بان الولايات المتحدة، وكما تقول لا تريد توسيع نطاق الحرب، وكذلك الحال بالنسبة لما تقوله إيران بانها لا تريد تصعيد الحرب أو توسيع نطاقها. لكن وكما ذكرتم في مقدمتكم انه يمكن أن يتوسع نطاق الحرب بسب خطأ، وبسبب أي شرارة أو حدوث أمر غير مقصود. أضف الى ذلك يجب ان لا ننسى ان الظروف والأمور الان في الولايات المتحدة ليست مريحة، وحيث مع تقدم الأيام واقتراب موعد الانتخابات، فإنّ القرار في الولايات المتحدة يصبح عما قريب في حالة ضياع، أو كما يقولون كبطة عرجاء. كما لا ننسى من الجانب الآخر انّ هناك في إسرائيل مجموعة كبيرة من اصحاب الرؤوس الحامية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو. وهذه كلها عوامل وتطورات محتملة قد تدفع الأمور نحو الأسوأ.

س: طيب دولة الرئيس، الولايات المتحدة الأميركية تحدثت في البداية ودعت اسرائيل الى عدم التصعيد ولكن الاسبوع الماضي كانت هناك تصريحات واضحة من البيت الابيض بانها ستدعم اسرائيل ان أقدمت فعلياً على الدخول في حرب واسعة مع لبنان. من جهة ثانية، فقد قرأنا صحيفة بريطانية وفي صحيفة التليغراف قالت بانه مطار لبنان يستخدم لاستقبال الأسلحة الإيرانية ولتخزينها لصالح حزب الله هناك. وبالتالي كل هذه المواقف تدخل في خانة وكأنّ العالم لا يمنع حرباً واسعة النطاق يمكن أن تحصل فعلياً على لبنان؟

ج: هذا الخبر الذي صدر في صحيفة ديلي تلجراف اعتقد انه مدسوس. رأيي، وبالتحليل وبالفعل حيث ليس لدي معلومات ولا أستطيع، ولأنني لست في السلطة التنفيذية، فإنّه ليس بإمكاني أن أثبت أو أنفي أي خبر. ولكن العقل والمنطق يقول ان حزب الله ليس بحاجة لان يستعمل مساحات من مطار بيروت كمستودع للأسلحة. ولكن نشر هذا الخبر، وبحد ذاته، يبدو لي وكأنه تمهيد من قبل إسرائيل بدسِّها هذا الخبر بطريقة او بأخرى من اجل اثارة جو عام يكون الرأي العام الدولي متقبلاً لهجوم عسكري واسع ضد لبنان تشنّه إسرائيل.

لذلك، وفي ضوء هذا كلّه، فإنّ الامر بات يقتضي من المعنيين والمسؤولين في لبنان ممارسة الكثير من التبصر والكثير من الحكمة حتى لا يصار الى زج لبنان مرة جديدة في حرب كبيرة جداً، وهي التي تبدو أنها محتملة. لا أقول انها مؤكدة ولكن علينا ان نقوم بكل ما يمكن أن تقوم به لكي نحول دون القيام بتوسيع نطاق هذه الحرب الواسعة.

صحيح ان جماعة حزب الله يقولون بان لديهم الآن عدد كبير من الصواريخ الدقيقة والباليستية وكل هذه الترسانة من أدوات وذخائر القتال الكبرى، وأن حزب الله نجح مؤخراً في إطلاق طائرة الهدهد فوق مناطق حساسة من الأراضي الإسرائيلية المحتلة. كل هذا كلام صحيح، وان حزب الله قادر أن يلحق بإسرائيل خسائر كبرى، ولكن لا يجب أن نتغافل عن حقائق أخرى، وهي أن إسرائيل وفي الوقت ذاته كانت تصطاد معظم القادة والمحاربين في صفوف حزب الله على مدى هذه الأشهر التسعة الماضية، حيث سقط حوالى 350 شخص على الأقل جرى اصطيادهم بهذه الطرق المتقدمة والمحترفة والناتجة ليس فقط عن التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، ولكن أيضاً بسبب المعلومات الاستخبارية الدقيقة التي تتمتع بها إسرائيل. الأمور كلّها توحي بذلك. السؤال الأساس ليس بالقول ان حزب الله يستطيع ان يوقع بإسرائيل كميات كبيرة من الدمار ومن القتلى وهذا صحيح. ولكن هل سأل أحدهم ماذا يمكن ان يحصل في لبنان. وما هي الخسارات التي يمكن ان توقعها إسرائيل في لبنان.

المسؤولون اللبنانيون عليهم التنبه إلى نتائج العمليات الحربية، حيث يجب ان يصار الى تقدير النتائج الخطيرة التي سوف تترتب على الصعيد اللبناني، فهذا الامر يوجب علينا تبين الأمور وعدم وضع مصير لبنان في المجهول. هناك بالفعل من يرقص على حافة الهاوية، ويعمل على تحميل لبنان ما لا يستطيع أن يتحمله من مخاطر، وهذه كلّها أمور يجب التنبه كثيراً لها، بحيث يجب ان لا يُدفَعْ لبنان على الاطلاق لان يخاطر باللبنانيين وبالاقتصاد اللبناني وبمستقبل لبنان، ولاسيما وأن لبنان والكثرة الكاثرة من اللبنانيين لا يريدون ذلك ولم يكن لهم رأي في ذلك منذ البداية.

تاريخ الخبر: 
29/06/2024