الرئيس السنيورة لـ الحدث: هناك حالة من الإنكار لدى حزب الله عما حصل في لبنان وما حصل في المنطقة

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

اجرت قناة الحدث من محطة الحرة حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة تناوللااخر التطورات وفي ما يلي نصه:

س: معنا من بيروت الان رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة لنقف معه عند كل هذه التطورات الحاصلة. دولة الرئيس، مساء الخير لحضرتك. أهلاً بك معنا في الأخبار الليلة ودائماً على شاشة الحدث. أريد أن أبدأ مع حضرتك في الحديث عن زيارة ماكرون لبيروت. فقبل خمس سنوات، وبعد تفجير المرفأ أتى ماكرون واستُقْبِلَ من جانب الشعب اللبناني بشكل عاطفي جداً. ولكن، وبعد مغادرته اتُهِمَ ماكرون بأنه عوَّم الطبقة السياسية التي كانت مرفوضة كلياً بوقتها. هذه الزيارة للرئيس ماكرون اليوم كيف تختلف عن تلك؟ وهل لدى فرنسا فعلياً اليوم أدوات تساعد لبنان بشكل كبير للنهوض من جديد؟

ج: مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. بدايةً مما لا شك فيه، أن لبنان مبتهج بما حصل. والشعب اللبناني سعيد بنهاية هذه المأساة التي تكررت لثلاث مرات على التوالي، والتي تمثلت في عدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية بالمواعيد الدستورية، وذلك لفترات مديدة، وهي الأزمات التي اتخذت أيضاً أشكالاً مختلفة أُخرى على مدى عقدين من الزمن بأنه كان يحدث تأخير كبير في عملية تأليف الحكومات، وفي المحصلة بعدم القدرة على اعادة تكوين المؤسسات الدستورية اللبنانية عند الحاجة لذلك وفي المواعيد الدستورية.

ثانياً، مما لا شك فيه أيضاً، أنّ مجيء هذا العدد الكبير من المسؤولين العرب، والمسؤولين أيضاً من الدول الصديقة، وفي مقدمها اليوم زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، وكذلك أيضاً زيارة الامين العام للأمم المتحدة السيد غروتيريش، يعطي دلالة على مدى الاهتمام الشديد الذي تبديه الدول العربية وأيضاً الدول الصديقة بلبنان وإبداء الدعم والتأييد له، من أجل أن يتمكن من أن يستعيد قدرته في أن تكون له دولته الحرة والسيدة والمستقلة دولة قادرة وعادلة.

صحيح أنَّ الرئيس ماكرون كان قد زار لبنان مرتين في السابق، ولاسيما بعد الكارثة التي تعرض لها لبنان في عملية تفجير المرفأ، والتي اطاحت بعدد كبير من المواطنين الأبرياء، وتسببت بدمار كبير. ولقد جرى في حينها حوار بين الرئيس ماكرون مع عدد من القيادات السياسية المختلفة اللبنانية. ولكن، وللأسف، لم يتم التمسك بتلك المبادئ التي تحدث عنها وطرحها الرئيس ماكرون آنذاك، ومن ثم فشلت تلك المحاولات. لقد حصل ذلك خلال الفترة التي كان لايزال الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية.

ميشال عون انتهت ولايته في نهاية أكتوبر من العام 2022، وبعد أكثر من خمس وعشرين شهراً، وفي ظروف صعبة للغاية، تمت عملية الانتخاب التي جرت في المجلس النيابي للرئيس جوزف عون، وأيضاً تمَّ تكليف الرئيس المكلف نواف سلام من اجل تأليف الحكومة.

الزيارة اليوم من قبل الرئيس ماكرون مختلفة جذرياً عن الزيارتين السابقتين اللتين قام بهما إلى لبنان.

على أي حال، هناك تقدير كبير لزيارة الرئيس ماكرون اليوم، وكذلك هناك تقدير كبير لدور فرنسا في المشاركة في عملية وضع التفاهمات الجديدة في تنفيذ وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل وفي مسألة تطبيق القرار 1701. كذلك هناك تقدير كبير لما أبداه الرئيس ماكرون من دعمه الدولة اللبنانية في سيادتها، ودعمه لرئيس الجمهورية، ولدولة الرئيس المكلف والحكومة الجديدة، وكذلك أيضاً من استعدادات طيبة لمساعدة لبنان وإقداره على تخطي أزْماته الكبيرة التي يتخبط بها، ومن ذلك الدعوة لعقد مؤتمر عربي ودولي لمساندة لبنان.

س: موضوع الحكومة، أنا سأعود إليه مع حضرتك، إذْ أقترح أن نقسم هذه المقابلة على جزئين موضوع الحكومة أريد أن أذهب إليه بشكل مكثف، ولكن بعد دقائق من الآن.

دولة الرئيس، اليوم الجميع يتحدث ويحاول الإسهام في بناء لبنان الجديد واللهجة او الكلام الاساسي الذي يخرج من لبنان الآن كيف يمكن للبنان أن يخطو أول خطوة على طريق بناء لبنان الجديد، أليس يكون ذلك بتسليم حزب الله لسلاحه إلى الدولة اللبنانية بشكل أساسي، أو ربما باي طريقة يريدها فعليا هل الاجواء تشير الى ذلك في هذه المرحلة؟

ج: لا بد لي من أوضح قضية مبدأية. الآن القضية الاساس بالنسبة للبنانيين هي في عودة الدولة لتستعيد قرارها الحر، ولتكون صاحبة السلطة الوحيدة والحصرية، ولاسيما بالنسبة لحمل السلاح واستعماله عند الاقتضاء في لبنان. هذا الامر بات بالنسبة للبنانيين القضية الأساسية التي لا يمكن على الاطلاق التنازل فيها. وهناك ضرورة ماسة للتشديد على التمسك بها، وإلى ضرورة العودة الى احترام أحكام الدستور، وإلى حسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والاحتكام إليهما، وهما اللذان ينصان أيضاً على تسليم كل الأسلحة للدولة اللبنانية. إذْ لا يمكن ان تستقيم الاوضاع في لبنان بوجود سلطتين واحدة مسؤولة والأخرى غير مسؤولة. لا بد من عودة الدولة لتكون لها سلطتها الحصرية بشأن السلاح، وبشأن سلطتها الواحدة والموحدة على كامل الأراضي اللبنانية.

على صعيد آخر، تعلمين ما أسفرت عنه التفاهمات الأخيرة التي جرت برعاية الولايات المتحدة وفرنسا، وأقرّت في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، والتي وافق عليها حزب الله ممثلاً بالرئيس نبيه بري، والتي تنصّ صراحة على حصرية السلاح بيد القوى الشرعية للدولة اللبنانية. وهي تنص على ذلك وبوضوح، وعلى أن يتم تطبيق ذلك بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، أي بما يعني أنْ تشمل العملية المناطق الأخرى في لبنان. وهذا ما تنص عليه كل النصوص الواردة في هذه التفاهمات، وذلك بما يتعلّق بتطبيق القرار 1701. كل هذا يعني وجوب أن يُصار الى استعادة الدولة اللبنانية لسطلتها الكاملة، ولحصرية السلاح بيد قواها الشرعية، وتكون هي صاحبة السلطة الوحيدة والمسلحة على جميع الأراضي اللبنانية، وأن تسيطر الدولة اللبنانية بقواها الشرعية على جميع الحدود الجوية والبحرية والبرية للبنان.

بالفعل، هناك محاولة للتذاكي على هذا الأمر، وهناك حالة من الإنكار المستشري لدى حزب الله عما حصل في لبنان، وما حصل في المنطقة، وما يجري في العالم. وهذا بعبارة أُخرى يعتبر امتداداً للتذاكي الذي مارسه الحزب، وكيف تصرف بالنسبة لتطبيق القرار 1701، والذي كان يفترض ان يصار الى تنفيذه بحذافيره منذ العام 2006. صحيح أنّ إسرائيل من جهتها لم تطبق القرار 1701، ولكن أيضاً حزب الله تذاكى ولم يطبقه. وها هو لبنان الآن قد بات مضطراً لأن يطبق هذا القرار بحذافيره ولا خيار له بذلك. وبدلاً مما كان واجباً تطبيق هذا القرار بأريحية لبنانية وبموافقة حزب الله، وبعمل مشترك من قبل حزب الله بالتعاون مع الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، فقد أصبح حزب الله مضطراً الآن لتطبيقه ولأن يسلّم هذه الأسلحة للسلطات الشرعية اللبنانية، وأن يفسح المجال للقوى الشرعية اللبنانية بتولي مسؤولية حماية لبنان، وأن يتحول الحزب بالتالي إلى حزب سياسي في لبنان.

س: سأعود لمسألة الحكومة. الآن لا عراقيل ولا تعطيل بحسب كلام القاضي نواف سلام وهو المكلف تشكيل الحكومة الى اي مدى يمكن القول الان أنّ هناك رضوخ نوعاً ما من جانب الثنائي ولا سيما من جانب حزب الله بعد هذه التغييرات الحاصلة، أو ربما هنا نتحدث عن ضمانات، أو ربما استجابة لمطالبهم بهذه الحالة؟

ج: بداية، يجب ان ندرك أنّ هناك حالة من الانكار المستمرة لدى حزب الله بشأن ما جرى من تحولات ومستجدات في لبنان وفي المنطقة وفي العالم. والحقيقة أنه ينبغي على الجميع أن يتعامل مع هذه المتغيرات الكبرى بواقعية، ولاسيما من قبل حزب الله.

على صعيد آخر، فإنَّ هناك حاجة من أجل أن يصار الى التعامل من قبل الدولة اللبنانية مع هذا الوضع أيضاً بحكمة وبحزم شديدين من اجل ان يعود الجميع الى الدولة وبشروط الدولة. وبالتالي ينبغي على حزب الله الآن أن يتوقف عن التذاكي في هذا الخصوص، وأن تتصرّف الدولة أيضاً من جهتها بحكمة وحزم من أجل أن يتم الاحتضان الصحيح لكل المكونات اللبنانية لينضوي الجميع تحت خيمة الدولة اللبنانية.

أنا اعتقد انه لا بد وان يدرك حزب الله ان هناك موقفا عارما في داخل لبنان، من قبل الكثرة الكاثرة من اللبنانيين الذي يطالب باستعادة سيادة الدولة وسلطتها الواحدة على كامل الأراضي اللبنانية، وأن لا ينازعها في سلطتها أحد. كذلك هناك موقفاً قوياً داعماً لرئيس الجمهورية وداعما للرئيس المكلف وداعما للحكومة العتيدة، وللمواقف السيادية التي عبّر عنها رئيس الجمهورية، والرئيس المكلّف في وجوب أن تتولى الدولة السلطة الكاملة في لبنان.

كما انه ينبغي على الحزب أن يدرك ان هناك دعماً خارجياً كبيراً من قبل الأشقاء والأصدقاء أيضاً للالتزام بهذه المبادئ، وهي الدول الداعمة لعودة الدولة ولاستعادتها لسلطتها الكاملة، وبحيث لا يكون هناك أي شائبة في فرض سيادة الدولة اللبنانية لسلطتها على كامل أراضيها، وفي حصرية السلاح في لبنان.

هذه التحولات والمتغيرات العميقة التي حصلت خلال الأشهر القليلة الماضية يجب أن يأخذها الجميع بعين الاعتبار، ولكن وبنظري هناك حاجة إلى ممارسة الحكمة من قبل الدولة اللبنانية في التعامل مع بيئة حزب الله، وذلك لتسير عملية الخروج من المآزق التي يمر بها لبنان بسهولة ويُسْر. ولكن هذا لا يعني تخلي الرئيس المكلف عن القواعد الدستورية الواجب التمسّك بها، ولا أن يصار إلى الافتئات على السيادة اللبنانية.

لقد سمعتُ الرئيس المكلف وهو يُصرِّح اليوم، وقال كلاماً واضحاً أننا نقرأ سوية، الرئيس المكلف مع رئيس المجلس النيابي في كتاب واحد وهو الدستور اللبناني المعدل حسب اتفاق الطائف. وهذا الموقف كامل الوضوح بان ليس هناك على الاطلاق من اي امكانية لاستمرار وجود السلاح في يد أطراف خارجة عن الدولة اللبنانية وقواها الشرعية. الآن التعامل مع هذا الموضوع يجب أن يتم بالحكمة وبالمرونة، ولكن المرونة التي تتم تحت سقف الدولة وتحت سلطة الدولة اللبنانية. ليس هناك من امكانية لإخراج لبنان من المآزق التي أصبح فيها من دون ان تعود الدولة وبشروطها أنْ تكون صاحبة السلطة الحصرية في لبنان، وأن تستعيد الدولة اللبنانية قرارها الحر.

س: شروط الدولة، ولكن كيف تقوم الدولة بذلك بدون ان يشعر حزب الله بكل هذا الاستفزاز؟ كيف يمكن ان تكون هذه العودة؟ وهنا بشكل خاص دولة الرئيس نسال عن انه اذا لم يكن هناك إرادة كبيرة بفرض هذا الموضوع بشكل قوي على حزب الله هل هذا يعني اليوم انه قد تقبل هذه الحكومة الجديدة ببيان وزاري يحمل ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة؟ وهل يمكن ان تقبل الحكومة اليوم ومجلس النواب بثلث معطل ام ان هذا ايضا او هذين الامرين انتهيا كذلك مع نهاية الفترة الماضية؟

ج: دولة الرئيس، ما أقوله هو ممارسة الحكمة مع الحزم معاً للتوصل إلى ما يرغب اللبنانيون بتحقيقه.

اعتقد، وبشكلٍ جازم، أن هذه العبارات والتسميات التي ذكرتها لم يعد من الممكن إعادة إحيائها، فهذه انتهت إلى غير رجعة. أول هذه الأمور التي انتهت هي هذه الثلاثية التي كانوا يقولون عنها الثلاثية الذهبية، والتي تقول بالجيش والشعب والمقاومة، وهي قد انتهت. كما انتهت قضية الثلث المعطل التي لم تجلب للبنان إلاّ المآسي والويلات والتعطيل. كذلك انتهت قضية ما يسمى الديمقراطية التوافقية وحكومات الوحدة الوطنية التي أدَّت إلى تخريب الدستور. فالدستور ينص في المادة 65 منه على أنّ مجلس الوزراء يتخذ قراراته توافقياً، وإنْ تعذّر ذلك فبالتصويت.

ومن جهة أخرى، يا سيدتي، فإنَّ الدستور اللبناني يقوم على قاعدة أساسية، وهي قاعدة فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. وهذا يعني فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية والرقابية، وأيضاً عن السلطة القضائية. والقاعدة أن تكون هناك أكثرية تحكم وأقلية غير مهمشة تعارض.

لقد سادت في لبنان أفكار في مرحلة سابقة بشأن حكومات الوحدة الوطنية، وهي حالة استثنائية في الأنظمة الديمقراطية، وليس حالة دائمة. ولذلك تجب العودة الآن إلى قواعد النظام الديمقراطي البرلماني، يعني العودة إلى حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية. الاستمرار في حكومات الوحدة الوطنية يؤدي إلى أن تفتقر البلاد عندها الى من يحاسب الحكومة على أدائها. فعندما يكون الكل مشاركين بالحكومة من سيحاسب الحكومة حينذاك، ومَنْ يُراقب عملها ومن يُصوّبه. اعتقد ان هذه الامور قد انتهت ولم يعد بالإمكان لأحد أن يبرر استمرارها.

هناك أمر الآن ينبغي علينا أن ننتبه له في لبنان بشأن التعامل مع هذا الوضع الحالي، وذلك باعتماد الحكمة في التصرف، ولكن أيضاً مع التقدم المثابر على مسار استعادة الدولة لسلطتها الواحدة ولاستعادة قرارها الحر.

يجب أن نبيّن أمراً أساسياً، وهو ان الدستور اللبناني، وهو دستور مدني، وهو في الحقيقة لا يحصر اي مركز في الدولة اللبنانية بطائفة معينة، كما انه في الوقت ذاته لا يحظر على اي طائفة معينه أن يتولى أحد منها أي حقيبة وزارية او اي موقع في الدولة اللبنانية.

هذا الامر، وللأسف، هو الذي يحاول البعض أن يشوِّه الدستور ويدخل فيه أعرافاً ليست فيه. هناك كلام قيل من قبل البعض في اجتماعات الطائف بان تكون وزارة المالية في لبنان من حصة طائفة معينة في لبنان. صحيح أنه جرى كلام بهذا الشأن في اجتماعات الطائف، ولكن ذلك المطلب لم يتم الاتفاق عليه، بل كان مرفوضاً آنذاك في الطائف. وبالتالي، فقد صدرت نصوص اتفاق الطائف، ولم تذكر أو تحدد فيه هذه المطالب. كما أنّ الدستور اللبناني لا ينص على أي من ذلك على الاطلاق. لا تحديد لأي موقع في الدولة اللبنانية لطائفة معينة حتى بالنسبة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المجلس النيابي في الدستور، ولكن هناك عرفاً وعلى مدى سنوات طويلة، ودون أي اعتراض بالنسبة لهذه المواقع الثلاث، وهو أمر استقر على ذلك. لكن أي أمر آخر فهو مخالف للدستور، وهو غير مقبول على الاطلاق.

أعود لأقول أنّ ليس هناك حظراً على أي طائفة في أن يتولى واحد منها أي حقيبة، ولكن هذا لا يعني أن يحتكرها.

تاريخ الخبر: 
17/01/2025