أزمة الثقة في الجهاز المصرفي : كيف نشأت وكيف يمكن معالجتها

-A A +A
Print Friendly and PDF

ايها السيدات والسادة،

      اذا جاز لي ان استعمل مرادفاً لكلمة المصرف فانني ربما اقترح كلمة ثقة لان قيام اي مصرف ونجاحه في الاستمرار والنمو مبنيان في الواقع على ثقة المتعاملين معه. كذلك الامر فان الجهاز المصرفي الذي هو مجموع الوحدات المصرفية العاملة في اي بلد لا يستطيع ان ينمو ويتطور اذا لم يتمتع بثقة المتعاملين معه داخلياً وخارجياً.

      سأحاول ان اقسم حديثي حول ما يسمى بازمة الثقة في الجهاز المصرفي اللبناني الى قسمين: في القسم الاول ساستعرض الاسباب التي ادت الى نشوء ازمة الثقة هذه واما القسم الثاني فسأستعرض الشروط الضرورية مصرفية كانت او غير مصرفية التي يتحتم توفيرها لاعادة الثقة بالجهاز المصرفي اللبناني.

  

اولاً:كيف نشأت ازمة الثقة الحالية في الجهاز المصرفي اللبناني؟

       مما لا شك فيه ان القطاع المصرفي اللبناني كان ولا يزال القطاع الاقتصادي الرائد في لبنان. فالظروف السياسية والاجتماعية التي سادت لبنان والمنطقة خلال مرحلة الستينات فضلاً عن المؤهلات التي تمتع بها لبنان خلال تلك الفترة من اوضاع وانظمة سياسية واقتصادية ملائمة، وكذلك توافر العناصر البشرية المؤهلة، شكلت عوامل مؤاتية سمحت للجهاز المصرفي اللبناني بتحقيق وثبة كبيرة مكنته من ان يساهم في تأمين حركة نمو واسعة في الاقتصاد اللبناني. لقد تحققت تلك الوثبة على الرغم من عدم وجود التشريعات القانونية اللازمة والمؤسسات المالية المتخصصة التي تضمن استمرار نمو ذلك القطاع بشكل متوازن ومستقر.

       تعرض الجهاز المصرفي اللبناني الى اول ازمة ثقة في عام 1966 على اثر نشوب ازمة انترا علما بأنه لم يكن قد مضى على تأسيس مصرف لبنان آنذاك اكثر من عامين. لقد ادت تلك الأزمة الى توجيه لطمة موجعة للاقتصاد اللبناني و للجهاز المصرفي الذي كان يتألف في شهرتشرين الاول من عام 1966 من حوالي مائة مصرف. ولقد عمدت الحكومة اللبنانية في ضوء تلك الازمة الى اصدار تشريعات جديدة والى اتخاذ تدابير قانونية مستندة اساسا الى هذه الازمة التي كان من نتيجتها انشاء مؤسسات جديدة ولاسيما لجنة الرقابة على الممصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع وكذلك الهيئة المصرفية العليا التي اريد لها ان تكون بمثابة محكمة مصرفية متخصصة.

       كان الهدف من تلك التشريعات تنقيةالجهاز المصرفي اللبناني عبر سلسلة من اجراءات تقضي بوضع اليد على عدد من المصارف و كذلك تشجيع التصفية الذاتية بالنسبة للبعض الآخر. فضلاً عن ذلك فقد جرى فرض عدد من المعايير المصرفية التي الزمت المصارف بالتقيد بها. عقب ذلك وبنتيجة لتلك الاجراءات بالاضافة الى توافر الظروف السياسية والاقتصادية الملائمة داخلياً واقليمياً تمكن القطاع المصرفي اللبناني من استعادة الثقة به محلياً وخارجياً بحيث بات عشية بدء الاحداث في لبنان في مطلع عام 1975 يطمح الى ان يلعب دوراً مالياً هاماً ليس فقط في لبنان بل وان يطمح الى لعب دور متقدم في ارساء العلاقة المالية ما بين منطقة الشرق الاوسط والعالم ولا سيما في عملية تدوير جزء من الفوائض النقدية لدى بلدان الخليج العربي و المتأتية عن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط عام 1973.

       إلا أن الاحداث الامنية اخذت لبنان على حين غرة و تسبب استمرارها الضاري في التردي التدريجي والمستمر للنشاط الاقتصادي اللبناني. ولقد ادى ذلك الى توجيه لطمة جديدة الى القطاع المصرفي تمثّلت بانكفاء نشاطه واقتصاره على خدمة وتلبية حاجات الاقتصاد اللبناني منفرداً و الذي كان قد سجل بدوره تراجعاً حاداً في حركة نموه. فضلاً عن ذلك فقد ادت تلك الاحداث الى انكفاء الرساميل العربية عن القطاع المصرفي اللبناني كما أدت الى هجرة عدد متزايد من المؤسسات المالية وغير المالية الاجنبية التي كانت قد اتخذت من لبنان مقراً اقليمياً لها، وأدت كذلك ايضاً الى هجرة العديد من المصرفيين ذوي الخبرة الامر الذي نتج عنه تدن مستمر في قدرة الجهاز المصرفي على تقديم خدماته المالية المتطورة في محيطه العربي.

       هذه العوامل السلبية لم تمنع ظهور بوارق امل تمثّلت في قيام عدد من المصارف اللبنانية بمبادرة شجاعة للحاق بعملائها الى خارج لبنان محاولة بذلك الاستفادة من الطفرة الاقتصادية التي سادت المنطقة العربية في بداية السبعينات ةالتي أدت الى فوائض مالية كبيرة انساب جزء منها الى المؤسسات المصرفية اللبنانية العاملة خارج لبنان. لقد كان لهذه الاندفاعة الشجاعة التي قام بها عدد من المصرفيين اللبنانيين في انشاء مصارف متفرعة أو شقيقة لمصارفهم خارج لبنان بعض الأثر في وقف تردي الاوضاع المصرفية داخل لبنان واللإبقاء على نافذة مفتوحة للجهاز المصرفي اللبناني يواكب من خلالها بعض ما يجري من مستجدات في العمل المصرفي الدولي. كما شكّلت ايضاً رئة تنفس لمقاومة الاختناق الذي كانت سببه الحال الامنية المتردية خلال فترة السنتين و الحروب المتتالية عقب ذلك.

       هكذا كان حال الجهاز المصرفي اللبناني في نهاية عام 1976. ولقد اوجبت هذه الحال الصعبة على الدولة أن تتدخل لتوفر دعماً جديداً للقطاع المصرفي يمكنه من مواجهة تحديات نتائج حرب السنتين التي نالت من موجودات الجهاز المصرفي ومن عناصره البشرية حيث اضطر العديد منهم الى الهجرة للعمل إما في مؤسسات مصرفية لبنانية عاملة في الخارج أو في مؤسسات مصرفية عربية أو أجنبية انشئت خصيصاً لخدمة عملائها في العالم العربي. لذلك فقد سارعت الدولة اللبنانية مطلع عام 1977، وبوعي منها لضرورة ايجاد معالجة جادة لدعم الجهاز المصرفي اللبناني وتعزيز الثقة به، الى اتخاذ تدابير عديدة منها اصدار المرسوم الاشتراعي رقم 10/77 الذي تكفل الدولة بموجبه التسليفات الاستثنائية التي يمنحها مصرف لبنان للمصارف، وكذلك انشاء المنطقة المصرفية الحرة داخل المصارف والسماح بتأسيس مصارف جديدة تعزيزاً للمنافسة وتحفيزاً لإستقطاب مزيد من الإستثمارات اللبنانية والعربية في القطاع المصرفي من خلال رفع الحظر المفروض على تأسيس مصارف جديدة منذ العام 1967 وحتى منتصف عام 1977.

       اضافة الى ذلك سعت الدولة الى تأكيد سلطة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف لتعزيز الثقة في عمل ومستقبل الجهاز المصرفي اللبناني على الرغم من أن الظروف المحلية والإقليمية التي سادت لبنان آنذاك بدأت تنذر بمزيد من تغييب السلطة المركزية واستضعافها. وعلى الرغم من تلك المؤشرات السلبية ظلّ الوضع الاقتصادي متماسكاً الى حد ما، وذلك بفضل استمرار تمتع مالية الدولة اللبنانية بعافية معقولة واستمرار تحقق فوائض متواضعة في ميزان المدفوعات اللبناني بحيث تمكن الجهاز المصرفي اللبناني من تخطي مرحلة المراوحة الاقتصادية التي سادت لبنان حتى مطلع عام 1982 بقسط متواضع من النجاح.

       ينبغي لفت الانتباه هنا الى ان تلك المرحلة التي تميزت بنمو متواضع في الجهاز المصرفي اتسمت بفقدان تدريجي لدينامية وتطلعات الجهاز المصرفي اللبناني الخارجية فضلا عن تعرضه لمزيد من هجرة العناصر البشرية المتوثبة والطموحة وعلى الاخص في ظل غياب او مبادرة جادة من قبله لاعداد عناصر بشرية شابة متخصصة، هذا باستثناء ما قام به مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف من عمليات تدريب لبعض العناصر في الجهاز المصرفي آنذاك.

       هكذا كان حال الجهاز المصرفي اللبناني عشية الاجتياح الاسرائيلي الذي ادى الى زيادة تعقيد الاوضاع المصرفية والاقتصادية اللبنانية كما ادى الى اجتثاث جزء كبير مما تبقى للجهاز المصرفي اللبناني من قدرة على مجابهة الاوضاع الصعبة والمتردية التي نتجت عن الحروب المحلية السابقة وعن الاجتياع الاسرائيلي.

       وعلى الرغم من فترة الهدوء القصيرة التي سادت لبنان خلال مطلع عام 1983 بدأت تظهر في الافق مجددا معالم تشير الى مزيد من التفلت عن سلطة الدولة المركزية وبالتالي عن سلطة مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. ولقد ترافق ذلك مع امرين اساسيين:

 

أ)    التردي المتزايد في وضع مالية الدولة ولاسيما العجز المتزايد في موازنتها وكذلك العجز في ميزان المدفوعات مما اثر سلبا على سعر صرف الليرة اللبنانية وبالتالي زاد في معدلات التضخم الهائلة التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية مع ما ترتب على ذلك من اشكالات مالية متزايدة على كافة الوحدات المصرفية العاملة في لبنان.

 ب)  التردي المتمادي في المستويات الادارية لدى العديد من المصارف العاملة في لبنان نتيجة استمرار هجرة الكفاءات البشرية بسبب الاوضاع الاقتصادية والامنية المتردية. هذا فضلاً عن تسلل مجموعات من المغامرين الى حرم الجهاز المصرفي على مستويي الملكية والادارة. لقد حاولت سلطة الرقابة وكذلك مصرف لبنان احتواء ضررهم دون جدوى، فعاث اولئك المغامرون فسادا في الاجهزة المصرفية على مستوى القطاع الخاص والاجهزة الادارية على مستوى القطاع العام.

       كان لا بد لهذه العوامل مجتمعة من ان تؤدي الى ازمة ثقة جديدة في الجهاز المصرفي اللبناني ولا سيما بنتيجة تعثر عدد من المصارف اللبنانية في لبنان وخارج لبنان ووصول بعضها الى حالة العسر الشديد. ومما زاد الامر سوءا عدم توفر المعالجة السريعة والفعالة من قبل السلطتين النقدية والسياسية لاحتواء المشكلة ومنعها من الانتشار. فضلا عن ذلك فان الظروف التي سادت في ظل بعض القيادات التي تولت مقاليد الامور السياسية والنقدية آنذاك جعلت من عملية الاحتواء هذه امرا مستحيلا.

       بل انه يمكن القول بان جزءا من الاجراءات التي اتخذت لمعالجة هذا الامر ادت بطريقة او اخرى الى تشجيع بعض المصارف والمصرفيين على القيام بعمليات غير مأمونة لعدم انسجامها مع طبيعة العمل المصرفي ولا المعايير المصرفية الرصينة الواجب اعتمادها.

 

كيف يمكن اعادة الثقة في الجهاز المصرفي اللبناني؟

 أيها السيدات والسادة،

            ان عملية اعادة الثقة بالجهاز المصرفي اللبناني عملية شاقة دونها شروط عدة، وتتطلب تضافر جهود مكثفة وشجاعة ومسؤولة من قبل القطاعين العام والخاص. هذا فضلاً عن ان قيامة القطاع المصرفي اللبناني تستند اساساً الى نمو الاقتصاد اللبناني وخلاصة من حالة المراوحة التي لا تزال يعاني منها حتى الآن.

       وهنا سأحاول ان اصنف الشروط التي اظن انها ضرورية لاعادة الثقة بالجهاز المصرفي اللبناني ضمن مجموعتين: الاولى وتتضمن سبعة شروط مصرفية والثانية وتتضمن شروطاً من نوع آخر تتعلق باستعادة حيوية الاقتصاد اللبناني وتجدد انطلاقته. ساوجز اولا الشروط المصرفية:

 

الشرط الاول: اقفال ملف المصارف المتعثرة:

      ان استمرار وجود او استمرار الحديث عن وجود مصارف معسرة او متعثرة يطعن بصدقية عملية استعادة الثقة بالجهاز المصرفي اللبناني. انني اعتقد انه اذا كانت هناك اسباب قاهرة في السابق تبرر عدم القدرة على اتخاذ قرار بشأن بعض المصارف المتعثرة فإن قانون الاصلاح المصرفي الجديد وعلى الرغم من بعض شوائبه يشكل الوعاء القانوني اللازم لاقفال ملف هذه المصارف المتعثرة بشكل سريع وحاسم.

      يجب علينا ان نعترف بحقيقة اساسية وهي انه اذا كان هناك من شائعة على مصرف معين فان هذا المصرف لا يستطيع الاستمرار ما لم يتم قطع دابر تلك الشائعة بشكل قاطع. ان اي مصرف في اي بلد ما يستند اساسا الى الثقة التي يمحضها اياه المودعون والمتعاملون معه. وما يصح بالنسبة لمصرف معين يصح كذلك بالنسبة للجهاز المصرفي ككل في اي بلد في العالم.

       ان غيمة الشك التي تظل الجهاز المصرفي اللبناني، والتي تشير الى ان هناك مصارف متعثرة ومصارف يمكن لها ان تتعثر، هي في الواقع قنبلة موقوتة. ذلك انها ترسم علامات استفهام حول الثقة في الجهاز المصرفي ككل. من هذا المنظار يمكننا ان نفهم سبب اختلاق تلك الشائعات المتنقلة التي تعصف ببعض مؤسساتنا المصرفية العاملة في لبنان والتي ليس هناك اساس لها سوى الشائعة نفسها التي تتغذى على حقيقة عدم حسم المشكلة بشكل قاطع وحاسم فضلاً عن المحاولات غير البريئة التي تهدف اساسا الى ضرب الجهاز المصرفي اللبناني والاقتصاد اللبناني عامة.

       ان الخطوة التي خطاها مؤخرا اثنان من مصارفنا وهما البنك اللبناني البرازيلي وبنك طعمة نحو التصفية الذاتية لا بد ان يكون لها رد فعل ايجابي على القطاع المصرفي. وبالتالي فاني ارى وجوب تشجيع هذه الخطوة من قبل سلطات مصرف لبنان ولجنة الرقابة والعمل على انجاحها مهما كانت المصاعب والتضحيات. ان هذا الموقف يحفز المؤسسات المصرفية التي تواجه ظروفا مماثلة للظروف التي مرت بها هاتان المؤسستان الى سلوك نفس الطريق.

       وتحقيقاً للشرط الاول في اقفال ملف المصارف المتعثرة بسرعة، لدي اقتراح، ربما اقتراحاً عملياً. ان القانون الجديد يعطي مصرف لبنان وكذلك المؤسسة الوطنية لضمان الودائع صلاحيات اقفال ملف المصارف المتعثرة وتصفية موجوداتها. نحن نعلم انه لا تتوفر لدى مصرف لبنان ولا لدى المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، الامكانية الادارية بشريا وتقنيا لمعالجة محافظ المصارف المعسرة من ديون وموجودات ثابتة. ربما يكون من المفيد الاتفاق ما بين مصرف لبنان وبين عدد من المصارف المليئة بحيث يصار الى نقل محافظ تلك المصارف المعسرة اليها كي تساعدها في عملية التحصيل وفي عملية ادارة تلك الديون. انني اعتقد اننا بذلك نوفر على مصرف لبنان وعلى مؤسسة ضمان الودائع اعباء ومسؤولية استخدام اجهزة جديدة سيما وانه قد لا تتوفر لديهما الامكانات لمعالجة تلك المشاكل. انني اقدم هذا الاقتراح علما ان القطاع المصرفي ككل يعاني من اختناقات حادة نظرا لعدم توفر الامكانات البشرية اللازمة لاستيعاب تلك المشاكل ومعالجتها.

 

الشرط الثاني: تعزيز مستويات الملاءة والسيولة:

       كما سبقت الاشارة اليه آنفاً لقد نال التضخم من الاموال الخاصة لكافة المصارف العاملة في لبنان بحيث تدنت معدلات نسب الملاءة لدى كافة المصارف وكذلك تدنى معدل الملاءة الاجمالي لكافة المصارف بشكل كبير. لذلك فانه اصبح لزاماً علينا ان نتصدى لهذا الامر ونخطط لاعتماد تدابير واجراءات تؤدي الى حلول سريعة.

       هناك شروط اصبح متعارفاً عليها من قبل كافة مؤسسات الرقابة ومن قبل كافة المصارف المركزية في العالم وهي الشروط التي وضعتها COOK COMMITTEE(استناداً الى رئيسها PETER COOKالذي كان مسؤولا عن جهاز الرقابة على المصارف في المصرف المركزي الانكليزي آنذاك). لقد حددت اللجنة معايير عامة للملاءة لدى المصارف. لذلك فانه يمكن لمصرف لبنان ان يلجأ الى اعتماد تلك المعايير تدريجيا ضمن برنامج زمني محدد يأخذ بعين الاعتبار امكانات وكذلك مصالح الجهاز المصرفي.

       لا شك اننا نلاحظ جميعا ان هناك ثمة محاولات جادة من قبل عدد من المصارف العاملة في لبنان لزيادة اموالها الخاصة عن طريق زيادة رساميلها او زيادة قروض الدعم الممنوحة لها من مساهميها ولكنني اعتقد ان ذلك الامر غير كاف حتى الآن وبالتالي فانه ينبغي ان يصار الى وضع برنامج زمني يشرف على تنفيذه كل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة. فمن طريق اعتماد هذا البرنامج الزمني لتحسين نسب الملاءة في الجهاز المصرفي، يمكن ان نبين لكافة المتعاملين مع الجهاز المصرفي اللبناني سواء كانوا في لبنان او خارج لبنان، بان مؤسساتنا المصرفية هي مؤسسات قوية ورصينة وبالتالي فانها قادرة على تحمل اي خضات قد تتعرض لها في المستقبل. ان زيادة الاموال الخاصة للمصارف يجب ان تترافق مع جهد كبير يؤدي الى تكوين مؤونات خاصة وعامة كافية بالتنسيق مع لجنة الرقابة على المصارف.

       لا بد من الاشارة هنا الى انه قد يوجد مصرف او اكثر لا تسمح له اوضاعه بزيادة الاموال الخاصة كما هو مفترض لكن هذا يجب ان لا يعني انه ينبغي علينا ان نستند دائماً الى الحلقة الاضعف. بل ينبغي ان يصار الى زيادة الاموال الخاصة لدى مجموع المصارف بهدف زيادة نسب الملاءة بحيث يؤدي ذلك الى تغيير صورة الجهاز المصرفي اللبناني لدى المتعاملين معه فيتبينوا بالتالي انه بدأ يخطو خطوات اساسية نحو رفع مستويات الملاءة لديه مما يرفع معدلات الامان فيه.

        بالنسبة للسيولة، لا اعتقد ان هناك مشكلة في ما خص مستوياتها بالليرة اللبنانية وذلك عائد للشروط التي وضعها مصرف لبنان منذ فترة طويلة لجهة زيادة نسبة الاحتياط الالزامي نقداً او في سندات الخزينة. اما بالنسبة لموضوع السيولة بالعملات الاجنبية فانه ربما يكون هناك من حاجة الى بعض التعزيز. لا شك ان ما قام به مصرف لبنان مؤخراً بوضع حدود نسب دنيا للسيولة بالعملات الاجنبية امر في غاية الاهمية وسيساهم حتما في تعزيز مستويات الامان وبالتالي في تعزيز الثقة في الجهاز المصرفي اللبناني.

 

 الشرط الثالث: الدمج المصرفي:

       انني اعتقد بانه لم يعد من الجائز ان يستمر جهازنا المصرفي اللبناني يعاني من وجود عدد كبير من المصارف كما هي الحال الآن حيث ان السوق المصرفية ليست في حاجة وهي لا تتحمل ولا تستطيع تأمين العمل الامين والمجدي لكافة المؤسسات المصرفية العاملة حالياً. فمن الثابت ان عدداً من المصارف العاملة حالياً غير قادر على تغطية نفقاته بسبب عدم نمو ايراداته من مصادر مأمونة ومستقرة بشكل يتناسب مع الارتفاع الكبير في التكاليف. هذا بالاضافة الى حقيقة ثابتة اخرى وهي ان المنافسة بين المصارف العاملة في لبنان سوف تشتد خلال الفترة القادمة الى درجة ان عدداً منها قد يعاني من اشكالات في الموازنة بين ايراداته وتكاليفه. كلنا يعرف بان تحديات مرحلة السلام كثيرة بل ربما تكون اكبر وادهى من تحديات مرحلة الحرب. لا اعني بذلك انه ينبغي علينا تخفيض عدد المصارف وبالتالي اقفال الباب بحيث يصبح القطاع المصرفي نادياً مغلقاً، ولكنني اعني بذلك ان نفسح مجال خلق مناخات ملائمة لتحقيق الدمج، واعني بالمناخات الملائمة خلق الحوافز الحقيقية التي تمكن المصارف من تحقيق عمليات الدمج دون ان نُكبل تلك المصارف باكلاف وبعدد هائل من الموظفين ومنهم من قد يكون غير قادر على التأقلم او العمل حسب مناهج وطرق العمل المصرفي الحديثة بكافة آفاته ووسائله الجديدة بحيث تصبح عملية الدمج مكلفة وغير مجدية اقتصادياً. لذلك فانني اعتقد بانه قد تطرأ بعض المشاكل خلال عملية الدمج كما هو الحال بالنسبة لعدد من المؤسسات الاخرى في العالم التي تقرر الاندماج فيما بينها، ونحن لسنا بمنآى عن تلك المشاكل. وكما يجري في اي بلد في العالم فإنه ينبغي ان نتحمل نتائج تلك المشاكل حتى نستطيع في النهاية ان نشد من عضد وساعد الجهاز المصرفي اللبناني بحيث تنبثق عن عملية الدمج مصارف اكبر وافعل واقوى على المنافسة والصمود بدلاً من مصارف مشرذمة غير قادرة على المنافسة وغير قادرة على تأدية الخدمات المصرفية على مستوى المطلوب خاصة في هذه الظروف التي تحمل الكثير من التحديات. انه بذلك يصبح لدينا مؤسسات مصرفية كبيرة نسبياً قادرة على تقديم خدماتها المصرفية حتى خارج حدود لبنان.

 

ايها السيدات والسادة،

       لقد دخلنا بل واننا سندخل عصرا يكون من اولى شروط توفير العناصر والكفاءات المصرفية التي تتمتع بمهارات عالية وكذلك توفير تقنيات عالية في زمن اصبح الحصول على تلك التقنيات امرا بالغ الكلفة والتعقيد وفي زمن سيكون للمنافسة المبنية على الفعالية الانتاجية الدور الاهم في نجاح او فشل اي مؤسسة مصرفية. انني اذ اؤكد على اهمية تشجيع عملية الدمج عن طريق خلق الحوافز الضريبية والادارية فانني اؤكد وبنفس المقدار على اهمية الابقاء على الباب مفتوحاً، فمن الممكن وجود جماعات او مؤسسات تود ان تنشىء عملاً مصرفياً لها في لبنان. وليس من الجائز او المفيد تكبيل تلك المؤسسات برسم دخول. ان كلفة الانضمام الى القطاع المصرفي والتجهيز اصبحت مكلفة للغاية، وبالتالي فإذا اقتنع المصرف المركزي ولجنة الرقابة بجدوى تلك المؤسسات، واذا اقتنعنا من كفاءتها وكفاءة العاملين فيها، والمسؤولين عنها، واذا اقتنعنا ان المساهمين يستطيعون ان يشكلوا ضمانة حقيقية لعمل تلك المؤسسة، فانه ينبغي عندها ان يفسح المجال، لانشاء مؤسسة مصرفية جديدة.

       في اطار عملية الدمج وتفاديا لتعقيداته ومشاكله بالنسبة لبعض الحالات وتيسيرا لترشيد عمل بعض المؤسسات المصرفية وتمكينا للبعض الآخر في التوسع متفادين بذلك عملية الهدر الاقتصادية على صعيد الوطن ككل، فانني ارى لزاما ان يصار الى تمكين المصارف في ما بينها بالتداول في موجوداتها وفروعها بحيث يتولى بعضها بيع موجودات او فروع من مصارف اخرى الامر الذي يؤدي الى ترشيد عمل كافة امؤسسات المصرفية بشكل معقول. انني اعتقد ان عملية بيع الموجودات او الفروع بين المؤسسات المصرفية امر قد يكون في مستوى اهمية تشجيع الدمج الكلي اذا لم يكن اكثر اهمية منه.

 

الشرط الرابع: تعزيز مستويات الادارة والرقابة:

       لا شك في ان الرقابة هامة، وهامة جداً، ولكن الاهم من ذلك هو الادارة المصرفية المسؤولة والرصينة، اننا عندما نتكلم عن الرقابة على المصارف فاننا نتكلم عن رقابة لاحقة وليس عن رقابة سابقة. ان الرقابة بشكل عام والرقابة المصرفية بشكل خاص ليست بديلاً عن الادارة. اننا عندما نحلل اسباب سقوط العديد من المؤسسات المصرفية في لبنان، نكتشف بان تعسرها او اعسارها كان في غالبيته بسبب هفوات ادارية وبسبب عدم كفاءة وعدم نزاهة المسؤولين عن تلك المؤسسات المصرفية. لذلك فانه ينبغي التشدد في امر وصول المسؤولين الى الدور القيادي في المؤسسات المصرفية. بعبارة اخرى ينبغي ان لا يكون الوصول الى سدة المناصب القيادية امراً سهلاً. يجب ان نسعى ونبذل المستحيل كمؤسسات خاصة وبالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان حتى نمنع وصول مغامرين الى سدة المسؤولية في الجهاز المصرفي، لاننا اذا لم نتنبه لهذا الامر فاننا نكون بذلك نزرع بذور المشكلة التي سنحصدها في المستقبل. لذلك فإن من الاهمية ان يصار الى تعزيز الادارة على كل المستويات والعمل قدر المستطاع على ايلاء التدريب واعادة التأهيل في العمل المصرفي الاهمية التي يستحقها.

       واظن ان الجهد الذي تبذله بعض المؤسسات المصرفية وكذلك الجهود التي تقوم ببذلها جمعية المصارف على صعيد التدريب هي في غاية الاهمية لرفع مستويات وكفاءة العمل المصرفي ومحاولة توليد طاقات ادارية جديدة عوضا عن تلك التي هاجرت الى الخارج تحت ضغط الحرب.

       انني اذ اشدد على اهمية تحسين مستويات الادارة لدى المصارف اود ان اكرر مرة اخرى على اهمية تحسين مستويات عمل لجنة الرقابة وعلى ضرورة تعزيزها عددا وعدة ومحاولة مساعدتها على اجتذاب العناصر المسؤولة والقادرة على القيام بعملها خير قيام ومساعدتها ليس فقط على اجتذاب هذه العناصر، بل وايضاً على الاحتفاظ بها وعلى حمايتها وتحصينها من الاغراءات.

 

 الشرط الخامس: عصرنة الجهاز المصرفي:

       ان موضوع العصرنة اصبح امرا في غاية الاهمية. فتزويد الجهاز المصرفي او مؤسسات الجهاز المصرفي بالحاسوب والالات الجديدة والبرامج الضرورية لتمكين الادارات في تلك المصارف من تحسين مستويات القرارات لديها اصبحت عملية مكلفة وصعبة ومعقدة للغاية. لم يعد بامكان الجهاز المصرفي ان يبقى بمنآى عن العصرنة التي غزت جميع القطاعات سواء في لبنان او في خارجه، لقد اصبحت العصرنة واقعا اساسيا في كافة المؤسسات المصرفية التي تنافسها خارج لبنان، وهي عملية مكلفة وصعبة كما ذكرت وتحتاج الى مبالغ طائلة كما تحتاج الى زيادة الاموال الخاصة لدى الجهاز المصرفي. لذلك فانه ينبغي علينا ان نسعى ونبذل كل الجهد حتى تستطيع مؤسساتنا المصرفية مواكبة هذه المتغيرات وهذه التحديات التقنية الجارية في العالم مما يمكنها من تقديم الخدمات المصرفية المتطورة التي اصبحت سمة هذا العقد.

 

الشرط السادس: خلق الحوافز والمناخات الملائمة لتطوير السوق المالية:

       إن مؤسساتنا المصرفية ليست في الواقع سوى مؤسسات مصرفية تجارية. لذلك وحتى نعمل على توسيع السوق ونوحي بالثقة للمتعاملين مع المؤسسات المصرفية باننا لا نتناول فقط جانبا محدودا من العمل المصرفي علينا ان نخلق الحوافز والمناخات الملائمة التي يمكن على اساسها ان نقدم خدمات مالية متطورة عبر ايجاد مؤسسات الوساطة Brokerage Housesوتمكين بنوك الاستثمار، ما يسمى Investment or merchant Banksمن العمل. وهو امر في غاية الاهمية لاسيما في المرحلة القادمة التي سيواجهها لبنان والتي تحتاج منها مؤسساته الى الكثير من الاموال والى الكثير من الكفاءات البشرية. اني اعتقد بانه يمكن لتلك المؤسسات القادرة على القيام بدور مؤسسات الاستثمار، ان ترتب العمليات الآيلة الى تعزيز مؤسساتنا الانتاجية بالمال وبالادارة. وهذا بالتالي يؤدي بدوره الى مزيد من الثقة والحيوية في الجهاز المصرفي وفي الاقتصاد اللبناني ككل بحيث نتمكن من تفعيل مقدراتنا بشكل فضل بكثير مما هو عليه الامر حاليا.

 

الشرط السابع: الممارسة المسؤولة للسرية المصرفية:

       ليس هذا بشرط بل انه امر في غاية الاهمية اسمح لنفسي ان اصنفه كشرط هام ضمن الشروط السابقة. لقد كان لتمسك لبنان بنظام الاقتصاد الحر الاثر الكبير في نمو جهازه المصرفي وتطوره ولقد لعب قانون السرية المصرفية ولا يزال، دورا هاما في تمكين القطاع المصرفي اللبناني من اداء دور هام مكنه من تجاوز حدود لبنان. لذلك فانني اعتقد ان موضوع السرية المصرفية سوف يستمر بلعب دور هام في تطور ونجاح الجهاز المصرفي اللبناني. هنا اود ان اشدد على حقيقة اساسية وهي ان قانون السرية المصرفية يفترض ترفعا من قبل مصرفيينا الى مستوى المسؤولية والتزامهم وبشكل أدق من أي وقت مضى، المعايير المهنية والخلقية الشريفة في التفريق بين الجيد والرديء من الأعمال. اني اذ أؤكّد على ذلك أبادر الى القول بأن هذا الأمر ليس بعيداً عن تطلعات ورغبات مصرفيينا الذين يقدّرون أهمية تطبيق تلك المعايير في ممارستهم لأعمالهم.

 

أيها السيدات والسادة،

       إن الشروط المصرفية التي اوردتها آنفاً ليست كفيلة وحدها بإعادة الثقة في الجهاز المصرفي اللبناني لأن المؤسسات المصرفية لا يمكنها أن تنمو ويتعزز وضعها في ظل وضع اقتصادي متردٍ . فالمصارف لا تعمل في جزيرة معزولة عن محيطها. فمحيطها الحقيقي هو الإقتصاد اللبناني ككل. لذلك فإنه يتوجب العمل على تفعيل النشاط الإقتصادي كعامل أساسي في إعادة الثقة الى الجهاز المصرفي اللبناني. هذا الأمر يتطلب تحقيق أمور عدة هي من صلب مهمات وواجبات القطاع العام وأهمها:

 

(1)  قيام الدولة بمزيد من الجهد لإستعادة دورها وهيبتها وافساح المجال أمام كافة مؤسسات القطاع العام للقيام بعملها بما فيها تأمين الإتصالت والمواصلات وكافة البنى التحتية وقيام الدولة كذلك بتنشيط وتفعيل القضاء حتى تستطيع المؤسسات المصرفية ممارسة أعمالها في تمويل القطاعات الإنتاجية على الشكل الأمثل في ظل إطمئنان المؤسسات المصرفية الى انه لن يكون هناك احد بمنآى عن القانون. ان عمل المصارف تحت سلطة القانون وحمايته أمر ضروري لتوفير الإطمئنان لدى المتعاملين مع هذه المصارف ولا سيما في الخارج.

 (2)  قيام القطاعين العام و الخاص وكذلك النقابات العمالية بخلق المناخات الملائمة لتعزيز الإنتاج وجعله قيمة مجتمعية تضعه في رأس الأولويات فضلاً عن ذلك فإنه ينبغي الخروج من متاهات رفع الأجور بالشكل السائد حالياً الذي لا يؤدي الا الى استمرار الضغوط التضخمية. فمع إيماني الشديد بضرورة رفع مستويات الدخل لدى كافة العاملين في مؤسساتنا الإنتاجية، فإنه ينبغي التأكيد وبنفس المقدار على زيادة الإنتاج حتى نستطيع أن نحافظ على استمرار ميزاتنا التفاضلية مع اقتصادات الدول المنافسة لنا.

 (3)  تعزيز مالية الدولة عن طريق زيادة وارداتها وخفض النفقات غير المجدية وتوجيه جزء من تلك النفقات نحو استثمارات منتجة بدلا من ان تكون ميزانية الدولة موجهة اساساً لدفع الرواتب.

       اود في هذا المجال ان اتقدم باقتراحين قد يكون لهما دور في تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني وفي زيادة واردات الدولة وبالتالي في تخفيض العجز المتزايد في ميزانيتها. الاقتراح الاول يقضي بتخفيض معدلات الضريبة على الدخل والارباح وجعلها نسبة واحدة موحدة بدلاً من نسب تصاعدية. انني ازعم ان تخفيض نسب الضريبة سوف يؤدي حتما الى زيادة الجباية والى تخفيض الروتين واستغلال المكلفين وتشجيع الرأسمال اللبناني والعربي على العمل والاستثمار في لبنان. وهناك امثلة عديدة على ذلك في بلدان اخرى لجأت الى هذا الاسلوب وحققت نتائج ايجابية كبيرة.

       اما الاقتراح الثاني فيقضي بانجاز موضوع قانون الايجارات المنتظر. ان اقتراحي في هذا الصدد هو انه اذا لم تكن هناك امكانية حالية لتعديل الايجارات القديمة وهو امر قد لا احبذه ولكن كان دون ذلك مصاعب جمة فانه يمكن تأجيله لمرحلة قادمة قد تكون الجهات الحكومية قادرة عندها على معالجته فليس هناك ما يمنع من تحرير الايجارات الجديدة بأغلبية مجلس النواب تعادل على الاقل الاغلبية الواجب توفرها لتعديل الدستور. هدفي من وراء ذلك هو طمأنة الاستثمارات الجديدة. لانه لا يمكن الطلب الى المستثمرين الاقبال على الاستثمار في قطاع البناء المعد للايجار اذا بقي هاجس التعديل قائما كما كان في الماضي حول مواصفات البناء الفخم وخلافه. ان اي تلكؤ في اصدار قانون الايجارات الجديد يشكل عائقاً كبيراً في وجه نمو الاقتصاد كما انه يشكل عاملاً اساسياً في خلق مشكلة اجتماعية امام الجيل الجديد من الشباب الذين ليس بامكانهم حتى استئجار شقة تمكنهم من بدء حياة زوجية وتحقيق استقرار عائلي.

       ان تطبيق هذه الامور مجتمعة، يمكننا من ان نبين لكل المتعاملين مع مؤسساتنا المصرفية ان ما قمنا به لجهة تعزيز الجهاز المصرفي، يوحي بالثقة الحقيقية للمتعاملين مع الجهاز المصرفي اللبناني، لبنانيين كانوا ام عربا امم مراسلين ام اجانب.

 

ايها السيدات والسادة،

       لقد حاولت في حديثي هذا ان استعرض معكم ما يسمى ازمة الثقة في الجهاز المصرفي اللبناني والشروط الواجب توفرها لاستعادة الثقة به. انني اذ اذكر هذه الامور، لا اود ان يستنتج من حديثي هذا ان استعادة الثقة ضرب من ضروب المستحيل. على العكس من ذلك، انني على الصعيد الشخصي اكثر املا من اي وقت مضى من تاريخ الازمة اللبنانية، باننا تجاوزنا المراحل الاشد مرارة وصعوبة بفضل مواجهتنا للتحديات واصرارنا على ان نتغلب عليها. وانني اعتقد اننا قادرون على مواجهة التحديات الجديدة بنفس الاصرار فلا زال للبنان واللبنانيين الكثير من الميزات والامكانات لا بد واننا قادرون على العمل من خلالها وبها لخلق دور مصرفي متجدد للبنان ياخذ بعين الاعتبار ما تبقى وما استجد لديه من ميزات تفاضلية تؤمن له وللاقتصاد اللبناني ككل انطلاقة جديدة على اسس ودعائم ثابتة وراسخة.

       انني اعتذر ان كنت قد اطلت عليكم، ولكنني ارجو ان يكون العرض الذي قدمت قد نجح في تسليط الضوء على النواحي للمشكلة كما ارجو ان تسهم الاقتراحات التي عرضت في دعم الجهود الايلة الى معالجتها.

 

      وشكراً.

الرابطة الثقافية في طرابلس

6 شباط 1992

التاريخ: 
06/02/1992