الرئيس السنيورة : الامتناع عن تسديد اليوروبوند ضروري لكن ليترافق مع خطة تستند الى التعاون مع صندوق النقد

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثانوي: 

أجرت قناة النيل حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة في ما يلي نصه:

س: حول هذا القرار اللبناني وأصدائه يشرفنا للانضمام إلينا عبر الهاتف دولة الرئيس فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق أهلاً بك دولة الرئيس. تحية لك، كيف تنظرون الى مسببات هذا القرار اللبناني وفكرة التوقف عن الدفع من قبل الدولة اللبنانية عن تسديد الديون السيادية، وما تنظرون أيضاً إلى ما تابعناه بشأن الحديث الذي ادلى به رئيس الوزراء حسان دياب؟

ج: دعيني أقول لك في البداية أنني كنت قد عبَّرتُ عن موقفي قبل عدة أسابيع وهو المؤيد لعدم الموافقة على تسديد قيمة السندات السيادية التي سوف تستحق على الدولة اللبنانية. وهذا ما أعلنَتْهُ الحكومة اللبنانية اليوم. والسبب في ذلك يعود إلى ما أصبحت عليه من تردّ الأوضاع المالية والنقدية للحكومة اللبنانية، والتي تملي بأن تتوقف الحكومة عن دفع المبالغ التي سوف تستحق من سندات اليوروبوند.

هذا الموقف ضروري لكي تتمكن الحكومة من اتخاذ القرار الصحيح بشأن تدبير شؤونها المالية بشكل صحيح. ولكن هذا الامتناع عن تسديد المبالغ المستحقة لا يجوز أن يكون بشكل غير منظّم، بل يجب أن يكون من ضمن التوافق على برنامج وخطة واضحة تبين فيها الحكومة للبنانيين وللدائنين وللمجتمعَيْن العربي والدولي حقيقة أوضاعها المالية بصورة واضحة، وما ستقوم به الحكومة من إصلاحات تمكنها من الانطلاق نحو تصويب أوضاعها المالية والاقتصادية والنقدية وايضاً الادارية والقطاعية.

إنّ هذه الخطة يجب أيضاً أن تكون مستندة إلى التواصل والتعاون مع صندوق النقد الدولي، وذلك ضمن الأصول والقواعد التي تحكم التعاون معه. فالتعاون مع الصندوق يكون استناداً إلى الخبرات التي راكمها ويختزنها الصندوق حول الحالات المماثلة في الكثير من دول العالم وبما يمكِّن الحكومة اللبنانية من الاستفادة من التعاون التقني مع الصندوق ويؤمن للحكومة اللبنانية مجالاً حيوياً لما يمكن ان تقرره بشأن طبيعة المعالجات والإجراءات التي يمكن لها أن تعتمدها. هذا مع العلم أنّ وجود الصندوق ومشاركته مع الحكومة اللبنانية يؤمن للبرنامج الذي سوف تعتمده الحكومة الصدقية التي تحتاجها في التخاطب مع اللبنانيين ومع الدائنين. وكذلك، فإنه يشكّل المفتاح الصحيح الذي يمكنها من استعادة ثقة اللبنانيين وثقة المجتمَعيْنِ العربي والدولي. كذلك أيضاً بما يتيح للبنان الحصول بعدها على الدعم المالي الذي يحتاجه وبشدة من الصندوق ومن الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم.

وللحقيقة أن هذا ما فعله لبنان في الأعوام 2001 و2002 و2007 عندما دعا لبنان أشقاءه وأصدقاءه للمشاركة في مؤتمرات باريس-I وII وIII. ففي حينها حصل لبنان على الدعم التقني من صندوق النقد الدولي، وهو بالتالي ما ساعده في الحصول على الدعم المالي من الأشقاء والأصدقاء والذي كان يحتاجه لبنان آنذاك.

اليوم فإنّ هذا ما يحتاج إليه لبنان للتغلب على حالة الانحسار الشديد في مستويات الثقة بالدولة اللبنانية وبالمجتمع السياسي اللبناني من قبل اللبنانيين ومن قبل المجتمعين العربي والدولي. فتعاون الحكومة اللبنانية مع الصندوق أصبح ضرورياً من أجل الخروج من الأزمة الخطيرة وغير المسبوقة التي تعصف بلبنان.

إلاّ أنّ هذا كلّه سوف لن يكون كافياً. إذ أنّ هناك ايضاً ضرورة لان تقوم الحكومة بتوضيح سياساتها من اجل معالجة الخلل الكبير الذي أصاب التوازنات الداخلية اللبنانية جراء الاستمرار في مخالفة اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وكذلك من غضّ للنظر عن الاطباق الذي تمارسه الدويلات الطائفية والمذهبية، وفي مقدمها حزب الله، على الدولة اللبنانية بما يحرم الدولة اللبنانية من القدرة على فرض سلطانها وصلاحياتها على إداراتها ومؤسساتها وأجهزتها ومرافقها وأراضيها.

كذلك فإنّ هناك حاجة قصوى من أجل وقف الخلل الكبير الذي طرأ على توازنات السياسة الخارجية للبنان. ما جرى خلال السنوات العشر الماضية في لبنان أنه قد حصل اختلال كبير في السياسات الخارجية للحكومة اللبنانية وفي علاقاتها مع الدول العربية ومع المجتمع الدولي. ذلك مما جعل سياساتها بالفعل غير متآلفة مع السياسة المعلنة للحكومة بأنها سوف تنأى بنفسها عن الصراعات العربية والدولية. وهي بالفعل لم تلتزم بذلك. عملياً فلقد أصبحت الحكومة اللبنانية منحازة إلى محاور إقليمية جعلتها متناقضة مع ما يفترض به أن تحافظ عليه لجهة احترام مصالح لبنان واللبنانيين في العلاقة مع أشقائه العرب ومع العالم.

أما بشأن ما قاله رئيس الحكومة، فهو قد حاول أن يرد الأسباب التي أوصلت لبنان الى ما أصبح عليه الآن من تردٍ في أوضاعه المالية والنقدية، إلى السياسات المالية والاقتصادية القديمة التي اعتمدتها تلك الحكومات على مدى العقود الثلاثة الماضية.

السبب الحقيقي لذلك وبشكل أساسي ليس كما قال رئيس الحكومة بل يعود إلى عدم الالتزام بمقتضيات تلك السياسات المالية والاقتصادية. إذ أنه لو تمّ الالتزام بتلك المقتضيات بشكل صحيح لكان من الممكن للبنان أن يحقق ازدهاراً ونمواً أكبر.

فالمجالس النيابية المتعاقبة والمجتمع السياسي في لبنان لم يلتزما بالسياسة التي وضعتها حكومات الرئيس رفيق الحريري لجهة الالتزام بخفض العجوزات في الموازنة والخزينة. وذلك بسبب إقرار عدد كبير من اقتراحات القوانين التي كان يترتب عن إقرارها زيادات كبيرة في حجم الإنفاق العام، وبالتالي إلى زيادة كبيرة في الدين العام. والمشكلة في ذلك أنّ تلك الاقتراحات أقرّت دون ان يترافق مع ذلك اعتماد الإصلاحات المطلوبة ولا المساعدة على تدبير المصادر المالية اللازمة لتمويل ذلك الإنفاق الإضافي.

كذلك، فإنه لم تتمكن الحكومات اللبنانية في السنوات العشر الماضية من الالتزام أو الحرص على احترام الدستور وتنفيذ القوانين التي أقرّها مجلس النواب كقوانين الكهرباء والاتصالات والطيران المدني. كما لم يتم الحرص على احترام سلطة الدولة على مرافقها، ولم يجر احترام معايير الكفاءة والجدارة في إيلاء المسؤوليات في الإدارات الحكومية إلى أكْفائها.

كذلك، فقد طرأ خلال تلك السنوات العشر الماضية تدهور كبير نتج عن التغيير الحاصل على السياسيات والممارسات. إذ حصل انخفاض كبير في معدلات النمو الاقتصادي إلى ما لا يتعدى ما يتراوح ما بين صفر واثنين بالمائة. كما تزايد حجم العجز في الخزينة والموازنة، وتحول الفائض في ميزان المدفوعات في تلك السنوات إلى عجز متمادٍ ومستمرٍ وخطير، وغيرها كثير. وبالتالي فإنّ المشكلات التي أصبح يعاني منها لبنان. وفي الأعمّ الأغلب تعود إلى الممارسات التي حصلت والتي كان فيها تنكّر وتقاعس من قبل تلك الحكومات، وكذلك من قبل المجتمع السياسي والمجالس النيابية المتعاقبة عن المبادرة إلى التصدي للمشكلات الاقتصادية والمالية في الوقت اللازم وفي المكان الصحيح من خلال اعتماد الإصلاحات القطاعية والإدارية والمالية التي كان يفترض بالحكومات القيام بها.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تسببت الصدمات التي تعرض لها لبنان سابقاً بسبب الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة وفوضى المشاحنات والخلافات السياسية الداخلية والتوترات الأمنية والإقفال القسري لمجلس النواب وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لفترة طويلة وللتأخر المتكرر والمتطاول في تأليف الحكومات وبتداعيات وانعكاسات سلبية كبيرة. كذلك أيضاً، فقد تسببت الممارسات الشعبوية المتعاظمة خلال العقدين الماضيين بآثار سلبية وخيمة وكبيرة. ذلك كلّه ما يبين كيف كان للتعطيل كلفته وللإحجام والتأخر والاستعصاء عن القيام بالإصلاحات اللازمة وعدم التصدي للفساد السياسي كلفته الباهظة أيضاً. وهذه الأمور كلّها لها تداعياتها وانعكاساتها الهائلة على الوضعين المالي والاقتصادي لجهة خفض النمو الاقتصادي وتفاقم مشكلتي العجز والدين العام، وتحول الفائض في ميزان المدفوعات إلى عجز مزمن وخطير.

س: دعني اسألك عن فرص نجاح تلك القرارات. او كيف يتعاطى الشارع اللبناني في ظل هذه التجاذبات مع مثل هذه القرارات وهل تضيف الى رصيد هذه الحكومة بكل ما واجهته من تحديات سابقة، أم على العكس؟

ج: لا شك ان الأمر قد أصبح صعباً للغاية. دعيني أقول لك وبكل صراحة وانا كنت دائماً أقول وأنبّه إلى أن الإصلاح امر تقوم به الأمم عندما تكون قادرة عليه وليس عندما تصبح مجبرة على القيام به. لأنها عندما تصبح مجبرة عليه يكون الأمر قد أصبح شديد الصعوبة، وبالتالي تصبح كلفته عالية جداً. كما يتطلب الامر عندها اتخاذ إجراءات مؤلمة وموجعة للمواطنين. وأنتم تعلمون ذلك جيداً في مصر حيث مررتم بمثل هذه التجربة.

الآن الوضع في لبنان يتطلب صدقاً وصراحةً مع المواطنين ومع المجتمعين العربي والدولي، وبالتالي إعداد برنامج محدد وواضح تلتزم به الحكومة وليس كما جرى ويجري حتى الآن.

من الضروري الاستفادة من التجربة التي مرّ بها لبنان عندما تمّ الاتفاق مع الأشقاء والأصدقاء وبوجود صندوق النقد الدولي في مؤتمرات باريس-II وباريس-III. لكنّ المشكلة التي أعقبت ذلك هو في تقاعس المجتمع السياسي اللبناني وتقاعس المجلس النيابي عن الموافقة على الإصلاحات التي كانت قد التزمت الحكومة اللبنانية بتنفيذها. 

اليوم هناك حاجة ماسة لان تتولى الحكومة اللبنانية معالجة الأمور بكل جرأة وشجاعة وصراحة وصدق مع المواطنين، وبأن تعترف الحكومة بأن الأمر قد أصبح صعباً للغاية وان تدرك أيضاً أنه مازال بالإمكان الخروج من هذه المآزق، وذلك شرط اتخاذ القرارات الواضحة التي يجب أن يتم الالتزام بها وبتنفيذها.

فعلى سبيل المثال، رئيس الحكومة وفي حديثه عن الإصلاح اكتفى بالحديث عن الكهرباء بأنه سيصار الى اعتماد أسلوب تغويز الغاز السائل وهذا ضروري، ولكنه ليس كافياً ابداً بشأن إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان. لقد كان من المفترض المبادرة إلى إصلاح هذا القطاع منذ أكثر من عشر سنوات وهو القطاع المسؤول عن تراكم أكثر من نصف مجموع الدين العام اللبناني حتى الآن.

المؤسف أنه لم يتم ذلك الإصلاح بسبب المشكلات الداخلية والاستعصاءات السياسية. المشكلة كانت من داخل الحكومات السابقة، وهي قد أصبحت اليوم من داخل هذه الحكومة. إذ أنّ هناك استعصاء وتقاعس لجهة عدم الموافقة على إصلاح قطاع الكهرباء بالشكل الصحيح وكما ينبغي.

المشكلات التي يواجهها لبنان اليوم يجب ان تتم مواجهتها من خلال برنامج إصلاحي اقتصادي ومالي ونقدي وإداري وسياسي واضح وحازم، كما تحدثت عنه. برنامج متكامل، يمكِّن الحكومة وعلى أساس منه استعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم واقتصادهم، وكذلك ثقة الأسواق المالية وثقة المجتمعين العربي والدولي بالدولة اللبنانية.

 

 

تاريخ الخبر: 
09/03/2020