الرئيس السنيورة لـ فرانس 24 : ربط الساحة اللبنانية بساحة غزة غُرم كبير لا يتحمله لبنان

-A A +A
Print Friendly and PDF

اجرت قناة فرانس 24 حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة حول اخر التطورات وفي ما يلي وقائع هذا الحوار:

س: والآن مشاهدينا موعدنا مع فقرة "صدى المشرق"، ضيفنا في فقرة اليوم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، الذي كان يشغل منصبه بين عامي 2005 و2009، وبالتالي كان على رأس الحكومة اللبنانية أثناء حرب تموز مع إسرائيل، حيث لعب دوراً محورياً وفاعلاً في وقف الحرب والتوصل إلى القرار الأممي 1701. أهلاً ومرحباً بك سيد فؤاد.

ج: مساء الخير لك ولجميع المشاهدين.

س: إذاً سيد فؤاد، عندما كنتم على رأس الحكومة عام 2006 امكنكم التوصل الى وقف الحرب، وذلك بناء على دورك وما كان هناك من رصيد لسلفك رفيق الحريري. ولكن الظروف باتت مختلفة الآن. برأيك كيف يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في ظل هذه الظروف؟

ج: بدايةً، لا بد من القول بان هناك تشابهاً كبيراً ما بين هاتين الفترتين اللتان تعرّض فيهما لبنان لاجتياح إسرائيلي، كما أنّ هناك بونا شاسعاً أيضاً في أمور أخرى بينهما.

بداية التشابه، وهو أنّ هناك طرفاً في لبنان، وهو حزب الله، أقدم على القيام بعمل عسكري عبر الحدود اللبنانية والارض المحتلة في فلسطين، وذلك بدون أن يستشير أو يُطْلعَ أو يُعْلمَ الحكومة اللبنانية بما يريد أن يقوم به في هذا الشأن. وهو الذي قام بهاتين العملتين العسكريتين في الثاني عشر من تموز 2006، وأيضاً في الثامن من أكتوبر 2023، ودون علم الدولة اللبنانية.

بالمناسبة، من المفيد أن أذكّر أنّه وفي الثامن من أكتوبر، وفي اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، فقد بادرت، وبصفتي الشخصية، إلى إصدار بيان بيّنتُ فيه بأنّه لا يجوز لحزب الله ان ينخرط أو أن يَزُجَّ بلبنان في هذه العملية العسكرية، وحددت خمسة أسباب أساسية لماذا لا يجوز، وهي من جهة تبين الفروقات الأساسية بين هاتين الفترتين:

أولاً، أنّ لبنان يتعرّض في هذه الآونة، كما ولايزال، لمشكلات وطنية وسياسية خطيرة، بأننا لا نستطيع ان ننتخب رئيساً جديداً للجمهورية، ولا أن نؤلف حكومة فاعلة تتولى قيادة هذه المرحلة الصعبة.

ثانياً، انّ لبنان يمر بأزمة اقتصادية خطيرة جداً، وبالتالي لا يستطيع ان يتحمل اعباء حرب جديدة.

وثالثاً، انّ هناك عدداً كبيراً من النازحين السوريين الذين يشكلون مشكلة كبيرة للبنان.

رابعاً، انّ ليس هناك من موقف داخلي لبناني داعم لزجّ لبنان في هذه المعركة العسكرية.

خامساً، انّ ليس لدى لبنان في هذه الآونة شبكة الأمان العربية والدولية مثيل تلك التي نسجها، والتي كانت لديه في العام 2006 ما بين لبنان وأشقائه العرب، وأيضاً مع أصدقائه في العالم، وهم الذين كانوا يقدمون له العون السياسي والمادي، والذي مكّنه من تخطي حرب وأزمة العام 2006.

لذلك، ولكل تلك الأسباب، ذكرت أنه لا يجوز للبنان أن ينخرط بهذه العملية العسكرية.

كذلك تجدر الإشارة إلى أننا وفي العام 2006، بادرنا مباشرة عند وقوع الحادث إلى أننا حرصنا على إيجاد مسافة واسعة بين الدولة اللبنانية والمقاومة وبالتالي كان جوابنا آنذاك بالبيان الذي صدر عن الحكومة اللبنانية ليل الثاني عشر من تموز من العام 2006، انّ لبنان لم يكن على علم بهذه العملية (لم تكن الحكومة على علم بما قلم به الحزب في العام 2023)، وأنّ لبنان أيضاً لا يتبنى ما قامت به المقاومة، وهو ما لم تقم به الحكومة اللبنانية الحالية، وبالتالي لم يجرِ إيجاد مسافة ما بين الحكومة اللبنانية والمقاومة.

س: سيد فؤاد، تحدثت عن المسافة الشاسعة بين لبنان كدولة وبين حزب الله، ولكن هل لبنان قادر في الوقت الحالي على الفصل بين موقفه الرسمي وبين موقف حزب الله خاصة من هذه الحرب؟

ج: بدون شك، انّ هناك مصاعب كبيرة الآن لإنشاء هذا الفصل، وذلك نظراً لأنه وعلى مدى هذه السنوات الماضية اوغل حزب الله في السيطرة على لبنان، وفي اختطاف الدولة اللبنانية، وأصبح فعلياً يتصرف وكأنه هو صاحب الإمرة. ولكن المشكلة في ذلك أنه ليس هو الطرف الذي يتحمل المسؤولية. في هذه الأمور، هناك قاعدة معروفة تقول: الغُنْم بالغُرْم، أي الذي لديه صلاحية القرار عليه أن يتحمل مسؤولية النتائج والتبعات.

تحمُّل المسؤولية يؤدي بالنهاية لتحمل الغرم. ولكن في حالة حزب الله، فإنّ الأمر لا يحصل هكذا. حيث يتوجّب على الحكومة اللبنانية أن تتحمل تبعات هذا القرار وليس حزب الله، مع أنه، وفي المحصلة، لا بدّ وأنّه سوف يتحمل بعضاً من تلك النتائج السلبية.

كذلك، وبعد كل ما جرى، فإن هناك أموراً ينبغي على الدولة اللبنانية ان تقوم بواجباتها السياسية والأمنية والاجتماعية. وكما تعلم ليس هناك من أمر سهل. كذلك أيضاً ليس هناك من طريقة اخرى للخروج من هذا المأزق الكبير الذي أصبح فيه لبنان.

كما هو معروف، فإنَّ حزب الله استند بشأن عملية تدخله في هذه المعركة العسكرية يوم الثامن من اكتوبر على مبدأ ما يسمى وحدة الساحات، وهو لايزال يصرّ على الالتزام بها.

المؤسف الآن، أنه مازال هناك من يقول انه ينبغي أن تتم عملية وقف إطلاق النار في لبنان بالتلازم مع وقف إطلاق النار في غزة.

نحن نعلم أن غزة الآن أصبحت أرضاً مدَّمَرة بالكامل وان شعباً فلسطينياً هناك يعاني الأمرّين. وبالتالي، فإنّ الاستمرار في ربط الساحة اللبنانية بساحة غزة فيه غرم وعبء كبير يلقى على كاهل لبنان، ولا جدوى من ذلك، وأنها مسؤولية كبيرة في أن يستمر ربط القرار اللبناني بقرار يصدر من خارج لبنان. هذا الامر غير مقبول ولا يجوز ان يستمر هكذا.

س: نعم سيد فؤاد، حزب الله في عام 2006 ليس هو نفسه حالياً، ولربما بعد مقتل نصر الله وقيادات من الصف الاول في حزب الله ربما تغيرت بعض الامور هل برأيك أنك تعتبر ان هناك رغبة من حزب الله في توقف الحرب ومن يتخذ القرارات المصيرية داخل الحزب بعد ان قتل وتم اغتيال حسن نصر الله؟

ج: بدون شك انّ اغتيال السيد حسن نصر الله يعتبر متغيراً كبيراً نظراً لما كان يتمتع به السيد حسن نصر الله من كاريزما وشعبية كبيرة وقدرة على الاحاطة بالأمور وصدقية ومحبَّة داخل مجتمعه. وهذا بالتالي يعني أموراً كثيرة على صعيد حزب الله. ولكن هذا الاغتيال قد يعني بالتالي أنه يمكن أن يشكّل إمكانية جديدة لتحويل هذا الحادث الكبير والخطير إلى فرصة لإحداث اختراق أو تغيير على الساحة اللبنانية، لما فيه مصلحة لبنان ولجميع اللبنانيين على حد سواء بمن فيهم فريق السيد حسن نصر الله.

لذلك، فإنّ هناك بالتوازي، وعلى صعيد الدولة اللبنانية واللبنانيين، هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق كل من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. في هذا الشأن، وفي هذه الظروف الشديدة الصعوبة، يمكن لي أن أقول انّ هناك أدواراً تبحث عن بطل. وهنا يمكن القول أنّه ربما سيكون عليهما ان يكونا هما البطلين من اجل ايجاد الحل الصحيح في خضم هذه المتغيرات الكبرى التي حصلت، ولاسيما أيضاً بعد ما حصل البارحة بشأن القصف الذي قامت به إيران ضد إسرائيل، إذْ أطلقت مجموعة كبيرة من الصواريخ الفرط الصوتية.

باعتقادي، إنّ كل هذا ربما أنه يفتح نافذة جديدة. ولذلك أرى أن هناك بدايةً وأولاً موقفاً شجاعاً يجب ان يتخذاه سوية بري وميقاتي بأن يُصار الى فصل الساحة اللبنانية عن ساحة غزة. إذْ ما عاد ممكناً ولا من المقبول ان يصار الى التضحية بلبنان وبمستقبل لبنان، ولاسيما بعد أن أصبح عليه حال اللبنانيين إلى هذا الدرك من الاوضاع المزرية التي أصبحت عليها أوضاع اللاجئين اللبنانيين. هذا بالإضافة أيضاً الى هذا القدر الكبير من الخسائر البشرية والتدمير الذي يحصل كل يوم. ولذلك، فإنّ هناك حاجة لهذا القرار الشجاع.

الأمر الثاني، ان هناك موقفاً يجب أن تتخذه الحكومة اللبنانية، وذلك بالمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار على اساس التطبيق الكامل للقرار 1701. الذي نعرفه أن حزب الله لم يطبقه بشكلٍ صحيح وحتماً أيضاً وبشكلٍ أكبر ايضا فإنّ إسرائيل لم تطبقه، وبالتالي هذا الامر يوجب على لبنان أن يُعبِّر ومن طرفه وبشكل واضح وصريح أنه ملتزم بتطبيق هذا القرار 1701.

ثالثاً، ان يدعو رئيس المجلس النيابي المجلس النيابي الى الانعقاد، إذْ ليس من المعقول بعد مرور الاثني عشر شهرا الماضية التي اشتعلت فيها الحرب في الجنوب لم يجتمع المجلس النيابي اللبناني لبحث هذه القضية المصيرية، ولم يبادر المجلس ليعبر وبصوت واضح عن ما يريده اللبنانيون. اللبنانيون يريدون أن يجنبوا بلدهم مزيداً من الانهيارات والحروب. وبالتالي، فقد بات من الضروري ان يصار الى اتخاذ هذا الموقف الشجاع بوضوح. ولا داعي لأن يخاف أحد من هذا الشأن أي الخوف من دعوة المجلس النيابي للانعقاد لأنه من الضروري أن يبادر المجلس النيابي إلى القيام بتوضيح رأي اللبنانيين في هذا الخصوص. كذلك وبالتالي، فإنه يتوجب على المجلس أن يُصار إلى عقد جلسات نيابية لا تتوقف، مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية. فمن غير المعقول ان يظل لبنان بدون رئيس جمهورية.

س: سيد فؤاد، تحدثت بشأن الموقف والمسؤولية المناطة بالحكومة اللبنانية، ولاسيما بالمقاربة عندما كنت في الحكم، فقد كان للبنان حضور وازن، وفي فترتك على أعلى المستويات الدبلوماسية والدولية. لماذا يعجز لبنان في الوقت الحالي عن حشد الدعم الدولي الكافي لدعم لبنان وخاصة ان رئيس الوزراء كان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وربما لم يحصل هناك التحرك المرجو لمصلحة لبنان؟

ج: بدون شك أنّ ما جرى خلال الفترة الفاصلة بين العام 2006 والآن في هذه الـ18 سنة الماضية فروقات شاسعة، إذْ أنّه جرت مياه كثيره تحت الجسر، حيث انّ لبنان من جهة لم يحافظ على تعزيز العلاقات الصحيحة ما بينه وبين أشقائه العرب، وأيضاً مع أصدقائه في المجتمع الدولي، وذلك لأسباب لا يجوز أن ننكرها، وتتعلّق أساساً بالاختطاف الذي تعرضت له الدولة اللبنانية من قبل حزب الله ومن ورائه إيران، ومن قبل الاحزاب الطائفية والمذهبية والميلشياوية. هذه العوامل كلها أدّت إلى انحسار الصدقية التي يفترض أن يتمتع بها لبنان عبر دولته وحكومته في علاقتها مع الأشقاء والأصدقاء، وإلى حدٍّ كبير.

كذلك أيضاً بسبب الممارسات التي اعتمدتها تلك الاحزاب المذهبية والطائفية والميليشياوية في الاستعصاء المستمر على الإصلاح، مما حال دون أن يتمكَّن لبنان من الاستفادة من الفرص الكبيرة التي أُتيحت له خلال السنوات الماضية، لتحقيق النهوض المنشود. في الحقيقة، انّه عُقدت مؤتمرات عديدة، والتي كان اخرها مؤتمر سادر الذي انعقد في العام 2018. إلاّ أنه جرى التفريط بتلك الفرص الكبيرة. في المقابل، لقد كان كلام المجتمع الدولي واضحاً بوجوب أن يبادر لبنان إلى اعتماد نهج الإصلاح: "أصلحوا اموركم ونحن على استعداد لان نقدم المساعدة للبنان". هذا الامر جاء أيضاً تكراراً لاستعصاءات سابقة في امتناع لبنان عن تنفيذ برامج الإصلاح التي أُقرت في مؤتمرات عديدة عقدت في الماضي وكان الاستعصاء سيد الموقف.

س: سيد فؤاد، اختم بسؤال بشأن تدهور الوضع بين اسرائيل وإيران الى اي مدى يؤثر على الوضع الداخلي في لبنان وهل للجيش اللبناني كلمته فيما يتعلق بوقف إطلاق النار؟

ج: اسمح لنفسي بأن أقول انني استمعت اليوم إلى جزء من المطالعة التي تقدم بها كل من مندوب إسرائيل وأيضاً المندوب الإيراني في الجلسة المفتوحة في الأمم المتحدة، وبالتالي كل واحد كان يروي الامور من وجهة نظره وأكاد أقول انّ الإثنان معهما حق في ما يقوله كل واحد عن الآخر. المشكلة أنّ الذي يدفع الثمن هو لبنان والبلدان العربية.

الحقيقة أن إسرائيل أطاحت، وعلى مدى سنين وعقود طويلة، بكل القرارات الدولية التي اتخذت خلال العقود الثمانية الماضية، ولاسيما أيضاً، ومنذ مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، وهي قد عمدت إلى تخريب الأوضاع في فلسطين وفي لبنان من أجل تحقيق هدفها في تصفية القضية الفلسطينية.

كما أنّ إيران، ومن جهة ثانية، عمدت الى تخريب الاوضاع في المنطقة العربية وأدّت إلى هذه التشنجات، وأسهمت أيضاً في نشوء الأحزاب المتطرفة التي خلّقتها ودعمتها، والتي أدّت الى تمزيق الوضع العربي وايضا الوضع اللبناني. وهذا يعني بالتالي أنّ هناك مشكلة كبرى ارتكبتها هاتان الدولتان إسرائيل، ولاسيما على مدى العقود الأربعة الماضية، وها هي إسرائيل لاتزال ترتكب كل المعاصي وكل الجرائم. كما أنّ إيران أيضاً عمدت إلى تخريب الأوضاع في عدد من الدول العربية، ومنذ أن نشأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحيث اعتمدت نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية التي اتى بها الامام الخميني التي اعتمدتها في التدخل بالشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، وكذلك بسبب ما تستمر به إسرائيل في سياسة قضم وهضم للحقوق العربية.

وهكذا، فإنّ الأمور ليست على ما يرام بسبب التدخلات التي تمارسها إيران في المنطقة العربية.

تاريخ الخبر: 
02/10/2024