الرئيس السنيورة: انتخب رئيس جديد وتشكلت حكومة واعدة وليس هناك حقائب سيادية واخرى غير سيادية ولا حقيبة مخصصة لطرف او طائفة او ممنوعة عنه

اجرت قناة الحدث من محطة العربية حوارا مع الرئيس فؤاد السنيورة حول اخر التطورات في لبنان في ما يلي نصه:
س: معنا من بيروت رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة. دولة الرئيس مساء الخير أهلاً بك معنا دائماً في الأخبار الليلة ومبروك الحكومة ومبروك للبنان.
سؤالي: هل فعلياً أن تشكيلة الحكومة التي رأيناها اليوم تعكس ما يريده الشعب اللبناني؟ وما هو مطلوب من لبنان بشكل أساسي؟ خارجياً المطلوب إظهار هزيمة حزب الله. كذلك داخلياً هناك مطلب شعبي لبناني، هو أن تكون هذه الحكومة قادرة على العمل والإنجاز؟
ج: مساء الخير لك ولجميع المشاهدين. بدايةً، إنّه مما لا شك فيه، وبعد مرور أكثر من سنتين على خلو موقع رئاسة الجمهورية، وأيضاً مرور أكثر من ثلاثين شهراً على وجود حكومة تصريف الأعمال دون التمكُّن من إعادة تكوين المؤسسات الدستورية اللبنانية، فقد جرى انتخاب الرئيس جوزف عون، كما أنه أصبح لدينا اليوم حكومة جديدة وهي تضم وجوها جديدة وكفاءات جيدة وواعدة.
من الطبيعي أنه ليس من الممكن ان يصار الى تحقيق الكمال في هذا الشأن، ولكن باعتقادي ما حصل هو أفضل الممكن. الآن المطلوب من هذه الحكومة أن تترجم آمال الناس وتوقعاتها بقدْر الإمكان. وهذا ما يتطلب من الحكومة أن تكون لديها إدارة صحيحة ومتبصرة للتوقعات التي لدى اللبنانيين، وأن تكون لديها القدرة على وضع واختيار الأولويات الصحيحة للحكومة، وضمن الإمكانات المتاحة، وتلك التي يمكن إتاحتها، ولاسيما أنّ هناك الكثير من التوقعات والمطالب لدى اللبنانيين، والتي يفترض بهذه الحكومة أن تعمل على تحقيقها.
أما بالنسبة لمسألة هزيمة حزب الله، فإنّي أعتقد أنّ المطلوب هو في أن ينضوي الحزب تحت سلطة الدولة اللبنانية، والتي يفترض بها أن تحتكر حمل السلاح واستعماله عند الاقتضاء على كامل الأراضي اللبنانية.
أما بالنسبة لتمثيل هذه الحكومة لمختلف القوى السياسية، فإنّه من الطبيعي أن تكون هناك احزاب او فئات لم يجرِ تمثيلها في هذه الحكومة، ولكن هذه سمة النظام الديمقراطي البرلماني في أن تكون هناك اكثرية تحكم، وأقلية غير مهمشة تعارض. هكذا يستقيم العمل الديمقراطي البرلماني، وهذا يعني أن يشعر من هم في السلطة ان هناك من سوف يحاسبهم. وهذا يجعلهم أكثر تبصراً وحكمةً في أدائهم.
في هذا الخصوص، فإنّي أتمنى أن يُصار الى اعتماد الاسلوب الذي جرى اعتماده في حكومتي الأولى، ولأشهر عديدة، وذلك من أجل التأكيد على مبدأ دستوري أساسي، ويتعلّق بفصل السلطات وتعاونها وتوازنها، وذلك حتى لا تطغى سلطة على أخرى. وهنا أعني التعاون والتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. في هذا الخصوص، وخلال العام 2005، تمَّ التوافق حينذاك أن يُصار إلى أن تُعقد جلسات اسبوعية لمحاسبة الحكومة على أدائها، وذلك على النسق المتّبع المعمول به في أكثر الديمقراطيات عراقة في العالم. بهكذا يستطيع النظام الديمقراطي البرلماني أن يؤدي الدور الذي يتوقعه منه اللبنانيون، أي بوجود أكثرية تحكم وأقلية غير مهمشة تعارض، وهكذا تستقيم أمور الحكم في لبنان.
س: طيب فعلياً يعني حضرتك تتحدث عن المستقبل الابعد قليلاً. ما أنا أريد أن اسأل عنه هو أنه قبل ما نحكي عن عمل الحكومة وامكانية وجود جلسات برلمانية لمتابعة عمل الحكومة والرقابة عليها. السؤال الآن: عن البيان الوزاري الذي يجب ان تعدّه الحكومة ونترقبه جميعاً. فعلياً إلى أي مدى هناك إشكالات سوف تواجه الحكومة في هذا الصدد، وعلى رأسها الرئيس نواف سلام وكذلك رئيس الجمهورية؟ هل سوف يشتمل البيان موضوعاً أساسياً، وهو سلاح حزب الله ولجهة حصر السلاح بيد الدولة؟ وماذا عن الثلاثية، ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة؟ الرئيس سلام تحدث عن اتفاق الطائف اليوم بكلامه وتحدث عن تنفيذ الـ1701؛ ولكن ماذا أيضاً عن ما هو ما بين السطور؟
ج: أنا اعتقد أن جزءاً كبيراً من الالغام التي كانت تعترض البيانات الوزارية وأعمال الحكومات اللبنانية السابقة اصبحت الان محيدة، أو على الأرجح غير موجودة. فالثلاثية المقدسة، كما كانوا يسمونها، لم تعد واردة، ولا موضوع الثلث المعطل، ولا نموذج حكومات الوحدة الوطنية التي لا تسمح لتلك الحكومات بالتوصل إلى قرارات صحيحة وسريعة بسبب الاختلافات الواسعة بين الفرقاء السياسيين، وهي بالتالي باتت غير ممكنة الآن.
أريد أن أقول هنا، أنّ خطاب القسم الذي ألقاه فخامة الرئيس قد حسم مسألة حصرية السلاح ليكون حصراً بيد الدولة اللبنانية وقواها الشرعية. كذلك الأمر في ما خصّ المسائل المتعلقة باحترام القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، حيث انه كما نعلم أنه كان هناك من يحاول أن ينكر ذلك، أو أن يحاول أن يحيد مسألة تطبيق القرار 1701، بينما هم أنفسهم، وأعني بذلك حزب الله ومن يوالونه، الذين كانوا يتهربون من تطبيقه، وها نحن نراهم اليوم يقولون ويطالبون بوجوب تطبيقه. ولكن، وفي هذا الخصوص، يجب على الجميع أن يدرك أنه بات هناك تفاهمات جديدة فاوض بشأنها ووقّع عليها الرئيس بري باسم حزب الله. وبالتالي، فقد التزمت بها وبتطبيقها الحكومة اللبنانية بجميع مندرجاتها. ولذلك يجب أن يُصار إلى احترام تطبيق القرار 1701 مع تطبيق البنود التي وردت في مذكرة التفاهمات، والتي يجب أن تسري على جميع الاراضي اللبنانية، وليس فقط على منطقة جنوب الليطاني، حيث يجب تطبيق هذا القرار وهذه التفاهمات بدءاً من منطقة جنوب الليطاني. هذا الأمر ينبغي ان يصار الى التدرج في اعتماده حتى تستعيد الدولة اللبنانية سلطتها الحصرية والكاملة على جميع الأراضي والمرافق اللبنانية.
على أي حال، هناك أموراً يجب أن تكون واضحة في البيان الوزاري من اجل التأكيد على استعادة الدولة لقرارها الحر ولسلطتها الحصرية على جميع الاراضي اللبنانية، وكذلك استعادة الاعتبار والتشديد على استقلالية القضاء، وعلى اعتماد الكفاءة والجدارة في إيلاء المسؤوليات لأكْفائها، وفي احترام الدستور وحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف، والعمل من أجل أيضاً وضع قانون جديد للانتخابات النيابية، وهي التي يجب ان تفرز مجلساً نيابياً جديداً في العام 2026.
إنه مما لا شكّ فيه أن أحد أهم أولويات الحكومة اللبنانية الجديدة هي في العمل الجاد من أجل استعادة ثقة اللبنانيين بالدولة وباستقلالية القضاء وبثقة الاشقاء العرب والأصدقاء في العالم، لأنه بذلك تستطيع الحكومة اللبنانية أن تقوم بمباشرة عملية إعادة الاعمار للمناطق المدمّرة. إذْ أنه لا يمكن للبنان أن ينجز أو أن يقوم بعملية اعادة الاعمار للمناطق المدمرة إذا لم يكن ذلك من خلال التقدّم على مسارات الاصلاح الحقيقية، والتي واستناداً إلى ذلك، تستطيع الحكومة اللبنانية استعادة ثقة اللبنانيين بالدولة وثقة الاشقاء والأصدقاء بها، وبالتالي ثقة الواهبين المحتملين الذين يمكن لهم أن يساعدوا لبنان على القيام بذلك إذا تبين لهم أنّ لبنان يعمل فعلياً على مساعدة نفسه عبر اعتماد الإصلاحات التي هو بحاجة إلى تطبيقها.
س: هذا ما يقوله المجتمع الدولي الان للبنان. ولكن يا دولة الرئيس، هل البيان الوزاري مهم فعلياً، أو هل هو ملزم للحكومة؟ كذلك حضرتك ذكرت الـ1701، ولكن هذا القرار حين تم التوصل اليه عندما كنتُ أنت رئيساً للحكومة في العام 2006، فإنّه بعد ذلك حزب الله الذي وافق عليه ووقع على الالتزام به، ولكنه عملياً لم يلتزم به. اليوم هل نحن أمام بيان وزاري مهما حمل من رسائل الا يُمكن أن يسقط بالتقادم كما سقط 1701 في العام 2006 او ما بعد 2006؟
ج: البيان الوزاري ملزم للحكومة وهي تحاسَبُ عليه بشأن ما تنفذُ منه، أو بشأن ما لم تنفذْ منه. وبالتالي، فإنّ الحكومة مسؤولة أمام المجلس النيابي فيما خصّ هذا البيان الوزاري، ولذلك هو ضروري.
صحيح أنّ الحزب لم يلتزم بالفعل بتطبيق القرار 1701، كما أن إسرائيل لم تطبقه مثلما أنَّ حزب الله لم يطبقه.
لكن ما استجد الآن، هو أنه قد أصبحت هناك في هذا الخصوص تفاهمات جديدة بشأن تطبيق هذا القرار، والتي التزم بها حزب الله والتزم بها الرئيس بري بالنيابة عن الحزب، وهي قد أصبحت ملزمة للحكومة اللبنانية. وان هناك من أصبح يراقب كيف تجري الامور وهل يتم الالتزام بتلك التفاهمات من قبل الحكومة اللبنانية.
لنعترف الآن أنّ لبنان قد بات أمام ارغامين أساسيين لم يكونا موجودين في العام 2006.
الإرغام الأول، هو أنَّ هناك من يُراقب ويُتابع مدى التزام الحزب، وبالتالي مدى التزام الدولة اللبنانية بمقتضيات تنفيذ هذا القرار، وبدءاً من منطقة جنوب الليطاني، وذلك بما يتعلّق بعدم وجود السلاح وبإقفال كافة المعابر لمنع تسرُّب السلاح إلى لبنان.
الأمر الثاني، هناك إرغام اخر يجب علينا أن نعترف به، وهو بالتالي يتطلب من الحكومة اللبنانية القيام بمقتضيات استعادة الثقة بها من قبل الأشقاء والاصدقاء في العالم، والذين نتوقع ونرغب ونأمل منهم أن يساعدوا لبنان من أجل دعمه وتمكينه من السير من جهة أولى على مسار الإصلاح، وبالتالي لتزويده وبالأسلوب الذي يرتاح ويطمئن له الواهبون المحتملون ويرتاحون له من أجل أن يتقدّم لبنان على مسار بدء وإنجاز عملية إعادة الإعمار.
لذلك، فإنّه ينبغي أن يكون واضحاً أنّه لا يمكن لأي حكومة، ولا لأي مجموعة في لبنان أن تغفل هذين الإرغامين الكبيرين اللذين باتا متوجبين على لبنان، وعلى الحكومة اللبنانية، وليس لدى لبنان من بد أو خيار إلاّ والعمل على الالتزام بهما واحترامهما بصدق وشفافية ومثابرة، ذلك لأنّ البديل عن ذلك صعب جداً ولا يستطيع لبنان واللبنانيين أن يتحمله.
س: نعم، طيب دولة الرئيس، أيضاً بموضوع التشكيلة الحكومية أو شكل الحكومة الموجودة الان هناك الراي الذي يقول انه ليس هناك اصلا ثلث معطل فيها حتى لو كان هذا المبدأ مازال قائماً، ولكن بنفس الوقت فعليا الثنائي أمل وحزب الله ربما تنازلا بالوزارة الخامسة التي هي من حصة الجانب الشيعي، وهناك علامات استفهام كبيرة عما إذا كان هناك تنازل أم لا. ولكن بنفس الوقت احتفظ الثنائي بوزارة المالية فما هو مستوى الخسارة هنا بالنسبة للثنائي وهل بتنا الآن نَفْصِلْ فعلياً ما بين حركة أمل وحزب الله حين نتحدث عن القوى السياسية الممثلة للشارع الشيعي؟
ج: بشأن هذا السؤال، فإنّي أرى أنّ هناك أموراً أساسية يجب أن تكون واضحة لدى جميع المستمعين والمشاهدين، وذلك خلافاً للقناعات والانطباعات الخاطئة التي راكمها البعض على مدى الفترة الماضية. إذْ ليس هناك في لبنان وزارات سيادية ووزارات غير سيادية. كل الوزارات اللبنانية هي وزارات سيادية. وبالتالي ليس هناك من وزارة تتسيَّد على وزارات أخرى، ولا يجوز في المبدأ أن تُعطِّل أي وزارة عمل الوزارات الأخرى. هذا الامر يجب ان يكون واضحاً للجميع وذلك منعاً للالتباس.
الأمر الآخر، ان ليس هناك في الدستور اللبناني حقائب وزارية ممنوعة على أي أحد من المكونات اللبنانية، كما أنه ليس هناك من حقائب وزارية مرسومة او محتكرة باسم طوائف معينة.
على العكس من ذلك، فإنَّ وزارة المالية التي جرى الكثير من الكلام بشأنها وحاول الرئيس بري أن يُظهر وكأنه كان هناك التزاماً جرى الاتفاق بشأنه في مؤتمر الطائف بأن تكون وزارة المالية من حصة وزراء ينتمون إلى الطائفة الشيعية. هذا الادعاء غير صحيح على الإطلاق. إذْ لم يجرِ على الاطلاق الاتفاق في اتفاق الطائف على أي حصة أو حقيبة وزارية محجوزة لأي طائفة. في الحقيقة، انّه من حق كل طائفة أن يكون اعضاء منها يتولون أي وزارة مهما كانت هذه الطائفة كبيرة أو صغيرة، كما أنه ليس هناك من احتكار لأي طائفة على اي وزارة.
فمثلاً وزارة المالية، وعلى مدى السنوات منذ العام 1992 بعد إقرار اتفاق الطائف وحتى الآن، فقد تولى مسؤولية هذه الوزارة في ثماني حكومات كانوا من المسلمين السنَّة، واستمرّت هذه الحكومات 16 سنة. وهناك ثمان وزراء كانوا فيها من الشيعة، واستمرت تلك الحكومات ثمانية سنوات، وهناك أربع وزارات كانوا من المسيحيين ودامت خمس سنوات. هذا يعني أنّ ليس هناك على الاطلاق احتكاراً لأي حقيبة وزارية. لذا يجب ان يكون ذلك واضحاً الآن وفي المستقبل.
من جهة أخرى، فإنّه لم يعد في هذه الحكومة الجديدة ما يُسمى ثلث معطّل. وبالتالي، فقد جرى وضع حد للممارسات الخاطئة التي حصلت بعد تسوية الدوحة.
على صعيد التمثيل الشيعي في المجلس النيابي وفي الحكومة، فإنَّ هناك حركة أمل من جهة، وحزب الله من جهة أُخرى، فعلى الرغم من تعاونهما، فإنّ هناك مسائل عديدة يبدو أن هناك تباين بينهما بشأنهما والأيام سوف تكشف كل جديد.
س: طيب، بس هذا حصل دولة الرئيس، الآن واضح الوزير الشيعي يتولى وزارة المالية؟
ج: هذه الوزارة هي قد أصبحت الآن بعهدة الاستاذ ياسين جابر الذي كان بالمناسبة طالباً عندي عندما كنتُ أستاذاً محاضراً في الجامعة الأميركية. أنا اعتقد أنَّ ياسين جابر شخص مسؤول لديه من الحنكة ومن المعرفة والخبرة لكي يتولّى هذه الوزارة، وأن يقوم فيها بعمل جيد. وفي المحصلة، فإنه من الطبيعي أن يحاسب على أدائه. هذا الامر يعني أنه يجب علينا أن نضع حداً نهائياً لهذه الاحتكارات التي لم تعد تنفع بالنظر إلى الظروف والأوضاع المتغيرة في لبنان والمنطقة. وبالنظر إلى الارغامات التي بتنا نواجهها، وبسبب الأوضاع الصعبة التي يتعرّض لها لبنان الآن، فإنّ المطلوب من هذه الحكومة أن يكون فيها الحد الأدنى من التعاون والانسجام لكي تستطيع أن تواجه هذا الكم الكبير من المشكلات الكبرى التي يواجهها لبنان.