الرئيس السنيورة : الاستثناء لن يصبح قاعدة والجنوح لن يتمكن من تحقيق النجاح ودماء الشهداء لن تذهب هدرا

قال رئيس كتلة المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة : " إننا على ثقة كبيرة بأن الاستثناء لن يصبح قاعدةً والجنوح عن المسيرة الوطنية التي ارتضاها الشعب اللبناني لن يتمكن من تحقيق النجاح. ولبنان لن يعود إلى الوراء ودماء الشهداء الأبرار لن تذهب هَدْراً ".
اضاف : " نحن متمسكون بالسلم الأهلي والعيش المشترك المسيحي- الإسلامي وبنظام لبنان الديمقراطي وبعروبة لبنان وانفتاحه وبالحفاظ على مبدأ تداول السلطة سلمياً ودورياً حسب نص الدستور وميثاقنا الوطني في الطائف وبتحقيق العدالة لا الثأر ولا الانتقام " .
وقال الرئيس السنيورة: " انه قد يخيل للبعض أنه قادرٌ بغفْلةٍ من الزمن على قلب الأوضاع في لبنان وتشويه الحقائق وتزوير التاريخ. لكني أود أن أقول أن الشعب اللبناني لن يؤخذ على حين غِرّة ولن يُفَرِّطَ في مكتسباته وفوراتُ العنف الكلامي والتهويل والتخوين هي مظاهر لضعفٍ عميقٍ أُصيبَ به البعض في التكوين ولن تنجح عملياتُ التجميل والترميم في إصلاحه. ولن ينجح هؤلاء في إرهابنا أو تخويفنا أو حَرْفِنا عن مسارنا الوطني ببناء لبنان المستقلّ الحُرّ العربي الانتماء والهوية. العروبة الواثقة والمنفتحة والمتطلعة إلى الدخول في العصر والنهوض في سياقاته" .
كلام الرئيس السنيورة جاء في مناسبة اقامتها عمدة مؤسسات الرعاية الاجتماعية في لبنان دار الايتام الاسلامية لافتتاح مبنى " المعين للدعم والتمكين " في ساحة الامام علي في الطريق الجديدة والمخصص لتحسين وتطوير قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة وادماجهم والذي اقيم بتمويل من دولة الامارات العربية المتحدة وبمسعى لتمويله من قبل الرئيس السنيورة، وبحضور رئيس مجلس ادارة الهلال الاحمر الاماراتي احمد حميد المزروعي ، وسفير دولة الامارات العربية المتحدة رحمة حسين الزعابي و في ما يلي نص كلمة الرئيس السنيورة :
سعادة الأخ والصديق الأستاذ رحمة حسين الزعابي،
- سفير دولة الإمارات العربية المتحدة-
وممثل سعادة الأستاذ أحمد حميد المزروعي،
- رئيس مجلس إدارة الهلال الأحمر الإماراتي-
الإخوة في عمدة دار الأيتام الإسلامية،
أيها الحفل الكريم،
إنها مناسبةٌ مهمةٌ وجادّةٌ بالفعل تلك التي نلتقي فيها من اجل الخير وعمله وممارسته. وهي مناسبةٌ من مناسباتٍ كثيرةٍ عودَّتْنا عليها مؤسساتُ الرعاية الاجتماعية، دار الأيتام الإسلامية. كما عوَّدتْنا عليها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ساعدتْنا وزاراتُها ومؤسساتها الخيرية ووقفت إلى جانبنا في كلّ الظروف الصعبة التي مرت بلبنان وما تزال، حيث أنّ تلك المؤسَّسات الخيرية ومنها الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة الشيخ زايد ومؤسسة خليفة بن زايد وغيرها، قدمت الكثير من الدعم الخيري والتطويري لمؤسسات الخير والتطوير في لبنان عبر العقود الماضية.
يقول رسولُ الله صلواتُ الله وسلامُهُ عليه: الخير بي وبأمتي إلى يوم القيامة. فالخيرُ العامُّ والذي يقومُ على التطوُّع والاحتساب قيمةٌ كبرى في منظومة قيم المروءة والرحمة الإنسانية العربية والإسلامية. وقد قامت دارُ الأيتام الإسلامية على وجه الخصوص، والمؤسساتُ الأُخرى بعامّةٍ في لبنان على هذه الفكرة بالذات: أنّ الخير قيمةٌ كبرى إلهيةٌ وإنسانية، وأنّ الدافع إليه، الاقتناعُ الذاتي ونذْرُ النفسِ والجَهدِ والمال، وأنه داخِلٌ في الوعي والتعقُّل، لأنه يقومُ على إدراك الاحتياجات العاجلة والأُخرى الاستراتيجية، والتصدّي لقضائها والاهتمام بتلبيتها.
بيد أنّ دارَ الأيتامَ الإسلامية هي مثالٌ على هذا التلاقي والاندماج بين ثلاثة أُمور: الخيري والمدني والتطويري. والمؤسَّسةُ التي نحتفي بها اليومَ، والتي أعاننا عليها الإخوةُ في الهلال الأحمر الإماراتي مثالٌ واضحٌ على ذلك. فقد قدَّرتْ دارُ الأيتام الحاجةَ لمركزٍ لذوي الاحتياجات الخاصّة، فتحدثْتُ وكتبتُ إلى الإخوة في دولة الإمارات، فدفعتْهم مروأتهم، ودَفعَهم دافعا الخير والرحمة اللذان قام عليهما الهلالُ الأحمر، فكانت التلبيةُ سريعةً والحمد لله. والآن ونحن نفتتح مؤسسة المعين للدعم والتمكين والتي نرجو الله تعالى أن يجعلها تتدفق بالخير كما يتدفق النبع بالماء المعين. هذه المؤسسة ستنضم إلى سلسلة مؤسسات دار الأيتام الإسلامية والتي نسأل الله تعالى أن يمدّ دار الأيتام الإسلامية بفيض من رعايته وتوفيقه حتى تتمكن هذه المؤسسة الجديدة من تقديم العون اللازم والرعاية الصحيحة الكفوءة للمئات من ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا اللبناني. وهذا الأمر داخِلٌ ولا شكّ في المسألة التطويرية المتعلقة بتنمية القُدُرات الإنسانية. وهذه الأُمورُ كلُّها تقع تحت مظلّة وقيمة الخير العام الذي طلبه الإسلام، وحثَّ القرآن الكريم على وضْعِه في أولويات القيم التي يشتدُّ الاعتزاز بالتصرف بحسَبها.
أيها السادة،
أيها الإخوة،
هناك إذن الدافعُ الخيري الذي يدخل في العمل الصالح، وقد جعله القرآن الكريم في مئات الآيات من مقتضيات الإيمان: الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وهناك الدافعُ المدني والتطويري لقُدُرات ذوي الاحتياجات الخاصّة، لكي تمكِّنَهُمْ من الدخول والاندماج في المجتمع من الباب الواسع من دون خوفٍ أو عُقَد، فيتخطّوا الضَعف والإعاقة، ويصبحوا عناصر فاعلةً في المجتمع. لكنْ هناك أمرٌ ثالثٌ ومهمٌّ، وهو أنّ هذا المشروعَ الجليلَ تمَّ بتعاوُنٍ بين دار الأيتام، والهلال الأحمر الإماراتي. فنحن في لبنان نَدينُ للإخوة العرب، وللإخوة الإماراتيين على الخصوص بالإقبال على مساعدة مؤسَّساتِنا في هذا الزمن الصعب وتأتي صعوبتُهُ ليس من الظروف التي تمرُّ بها البلاد وحسْب، بل ومن تَنامي الاحتياجات، وتَنامي الضرورات إلى التشييد والتطوير وصُنع المستقبل الأفضل لسائر أجيالِنا، وبخاصةٍ أولئك الذين يحتاجون للمُساعدة أكثر من غيرهم. وهكذا فهناك قطبان: الإقدار الذي نصلُ بتعاوُن الإخوةِ العرب إليه، والاقتدار والتمكين الذي يصبحُ في متناولِ اليد بهذه المساعدة الحانية والبنّاءة.
أيها السادة،
أيها الإخوة،
نحن في زمنٍ موَّارٍ بالتغيير. وهو زمنٌ أحدثَهُ احتشادُ شبابِنا في شوارع ومُدُن وبلدات العالَم العربي، وهم يرفعون شعارَي الحرية والكرامة. ولا شكَّ أنّ التغيير الذي يجري بعد عقود الجمود والاستنزاف في كلّ مكانٍ، يستلزمُ تضحياتٍ كبرى لم نعهدْها من قبل على كثرة ما عانينا. فللحرية الحمراء بابٌ، بكلِّ يدٍ مضرَّجةٍ يُدقُّ. ما عاد من الممكن التصدي للمشكلات الوطنية والقومية وصُنْع المستقبل الواعد لشبابِنا بدون تغييرٍ وتطويرٍ واستقبالٍ للجديد. فالمشكلاتُ نوعان: تلك التي تراكمت بدون حلول، وتلك التي حدثت نتيجةَ تفويت الفُرَص للدخول في عالَم العصر وعصر العالم. والتغييرُ السلميُّ هذا لا يحدُثُ كما سبق القولُ بدون عقباتٍ وصعوباتٍ، وهو لا يحدث فجأةً، بل هو عمليةٌ متطاولةٌ، مثل كلّ عمليات البناء. لقد ناضلْنا نحن في لبنان طوالَ السنوات الست الماضية وسنستمر في نضالنا من أجل الاستقلال والحرية وبناء الدولة العادلة والقادرة. ونحن نحسُّ اليومَ أننا جزءٌ من عمليات التغيير العربية الزاخرة. ويكونُ علينا وسط العواصف أن نحفظ استقرارَنا وتماسُكَنا، وأن نحذرَ الضَعْفَ أو الانشدادَ إلى الوراء. وأولُ ما يكونُ علينا حفظُهُ العيش الواحد، والسِلْم الوطني والتماسك بوجه العدو الإسرائيلي وعدوانه وأطماعه، والاعتصام بالدولة والمؤسَّسات التي عانت كثيراً من الانتكاسات ووجوه التغوُّل والاضطراب. ولهذا فإننا على ثقة كبيرة بأن الاستثناء لن يصبح قاعدةً والجنوح عن المسيرة الوطنية التي ارتضاها الشعب اللبناني لن يتمكن من تحقيق النجاح. ولهذا فإننا على ثقة بأن لبنان لن يعود إلى الوراء ودماء الشهداء الأبرار لن تذهب هَدْراً.
نحن متمسكون بالسلم الأهلي والعيش الواحد المسيحي- الإسلامي وبنظام لبنان الديمقراطي وبعروبة لبنان وانفتاحه وبالحفاظ على مبدأ تداول السلطة سلمياً ودورياً حسب نص الدستور وميثاقنا الوطني في الطائف وبتحقيق العدالة لا الثأر ولا الانتقام.
قد يخيل للبعض أنه قادرٌ بغفْلةٍ من الزمن على قلب الأوضاع في لبنان وتشويه الحقائق وتزوير التاريخ. لكني أمامكم أنتم أهل الخير والعقل والوسطية والاعتدال، أود أن أقول أن الشعب اللبناني لن يؤخذ على حين غِرّة ولن يُفَرِّطَ في مكتسباته وفوراتُ العنف الكلامي والتهويل والتخوين هي مظاهر لضعفٍ عميقٍ أُصيبَ به البعض في التكوين ولن تنجح عملياتُ التجميل والترميم في إصلاحه. ولن ينجح هؤلاء في إرهابنا أو تخويفنا أو حَرْفِنا عن مسارنا الوطني ببناء لبنان المستقلّ الحُرّ العربي الانتماء والهوية. العروبة الواثقة والمنفتحة والمتطلعة إلى الدخول في العصر والنهوض في سياقاته.
مرةً أُخرى أشكر للإخوة في الهلال الأحمر الإماراتي ولدولة الإمارات العربية المتحدة الدعمَ والتعاوُنَ والمُساعدة. وأُقدِّرُ لدار الأيتام الإسلامية هذا الجَهد المستمر والدَؤوب من أجل صُنْع الجديد والواعد والمتقدم لشبابِنا وإنساننا:
فأمّا الزبَدُ فيذهبُ جُفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكُثُ في الأرض
صدق الله العظيم
نسأله تعالى أن يديم عمل الخير ويعلي شأن العاملين فيه.
عاش التعاون اللبناني الإماراتي من اجل عمل الخير.
عاشت دولة الإمارات العربية المتحدة.
عاش لبنان.
والسلام عليكم.