الرئيس السنيورة: ظنوا اننا سننسى الحريري بعد اسبوعين ومرحلة المراهقة السياسية شارفت على النهاية والخزينة تكبدت 150 مليون دولار بسبب حجز اموال الاتصالات في حسابات منفصلة من قبل وزراء التيار العوني

-A A +A
Print Friendly and PDF
العنوان الثاني: 
حديث شامل لاذاعة الشرق ضمن برنامج المجالس بالامانات

أجرت الاعلامية وردة الزامل، ضمن برنامجها "المجالس بالامانات" عبر اثير إذاعة "الشرق"، حديثاً مع رئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة ، يذاع صباح غد، وذلك لمناسبة الذكرى السابعة على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي ما يلي نصه:

س : ماذا استرجعت ودولتك تستمع إلى دولة الشهيد؟ أتذكر تلك الرحلة إلى واشنطن وما بعد هذه الرحلة وكل الرحلات؟
صباح الخير لكِ ولكل المستمعين ، ونحن على بعد 48 ساعة من ذلك الحدث الجلل الذي أصاب لبنان ، والذي قصد من حاول ومن اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أن ينهي هذا الإنسان بما كان يعنيه لكل اللبنانيين. الحقيقة أن من فعل هذه الجريمة كان يظن أنه سينتهي من رفيق الحريري، وأنه خلال 15 يوماً سيبكيه اللبنانيون، وبعد ذلك وبسبب حواجز الصمت والخوف سيعودون إلى ممارسة حياتهم اليومية وسينسون رفيق الحريري. حساب الحقلة لم يطابق حساب البيدر، والحقيقة أن حضور رفيق الحريري يزداد في غيابه. ما فعله رفيق الحريري للبنان، بأنه شكّل، كما سمعنا، دائما بارقة أمل للبنانيين . هناك قول: لولا الامل بطل العمل. كان رفيق الحريري يشكل بالنسبة للبنانيين الأمل والمرجع ، وفي المصطلح اللبناني العام، المسند، بحيث يشعر اللبناني أنه في أي لحظة لديه أحد كبير، لديه جبل قادر أن يسند نفسه عليه، وبالتالي كان يعطيه الثقة والأمل. لقد شكل رفيق الحريري، خلال هذه المرحلة، إرادة اللبنانيين على الصمود، على العمل، على الإيمان بلبنان وبقدرة لبنان على أن يتخطى المصاعب، وهي كثيرة كما شهدناها خلال كل هذه السنوات، أكان ذلك خلال فترة رفيق الحريري، أم كان ذلك بعد فترة رفيق الحريري، لبنان كان دائماً عصياًّ على هذه المؤامرات والتحديات بسبب ما يكتنزه من إرادة الحياة لدى اللبنانيين. وبالتالي، أنا أسمع اليوم هذه المقاطع من الاحاديث، عادت بي الذكرى إلى تلك المرحلة التي مررنا بها.

اضا ف :كان يتمتع بدرجة عالية من الثقة والإيمان باللبنانيين وبلبنان وبعروبة البلد، وبأنه قادر، بحكم صلاته وعلاقاته الدولية والعربية حتماً، أن يكون هناك مَعين لا ينضب من الإمكانات التي يمكن أن نلجأ إليها لمعالجة ما نواجهه من مشاكل وما تفرضه ظروف المنطقة علينا من مصاعب، ومن ضغوط كانت تمارس من هنا وهناك من اجل إنهاء الصيغة ومحاولة استنساخ نظام غير النظام اللبناني القائم على التداول السلمي للسلطة . كان رفيق الحريري يمثل هذه القدرة على استقطاب القدرات والإمكانات والخروج دائما برؤى جديدة وبابتداع الحلول. كان لديه قدرة هائلة على استيلاد الفرص من رحم المشاكل الي يمكن أن تقع.
طبعاً، خلال هذه الفترة كان رفيق الحريري يواجه كمية كبيرة من الاحقاد ومحاولات الإفشال. كان همّه دائماً أن يقول: لبنان أكبر من كل هذه الصغائر، وما حدا اكبر من وطنه، وأنه إذا توفرت القدرة على توحيد صفوفنا، فنحن أقدر من أكبر المؤامرات وأكبر الخطط التي تُنسج في الغرف السوداء من أجل الإطاحة بتلك الإنجازات الكبيرة التي كان لبنان يحققها. هناك قول كنا نستعمله في صيدا: تخرب بِشَوْري ولا تِعْمَر بِشَوْر غيري. كان يقول لي دائماً :هناك بعض السياسيين في لبنان كل همّهم أن يظهروا، فإذا ما تمكنوا من النجاح في الإعمار والإنجاز والتقدم ، فإنهم ينجحوا في الفشل.
س : دولة الرئيس السنيورة، بين الأمس واليوم، الأيام تتوالى ولا تتشابه، دولياًّ وعربياًّ . هل تتشابه لبنانياًّ؟ وأي شبه بين القادة ورجال الدولة بين الامس واليوم؟
كما قلت، وكما علّمونا قديماً، إن الشجرة المثمرة هي التي تتعرض للطعن ولرمي الحجارة عليها ولمحاولة النيل منها. إن لبنان صغير بحجمه، لكنه فكرة كبيرة. هناك حقيقة قالها البابا يوحنا بولس الثاني عن "لبنان الرسالة". هذا ما نراه الآن. ومَن لم يرَ قبل سنوات، يشهد الآن مع تفتح هذا الربيع العربي أن لبنان يمثل هذه الصيغة القائمة على العيش الواحد، الصيغة المبنية على احترام الآخر وحقوق الإنسان والقيم الأخرى المبنية على التداول السلمي للسلطة، وعلى هذا الموزاييك الذي يضفي جمالاً وقوةً وتنوعاً على تركيبة هذا البلد. نقول الآن أننا نمثل صيغة ليس للدول العربية فحسب، بل للدول الأخرى أيضاً التي تتمتع بهويات مختلفة وببعض التنوع الذي يعدّ ضرورة يجب المحافظة عليها والبناء عليها للمستقبل. وبالتالي ، وكما نشهد اليوم، هناك أمور تطرأ وتتغير وتطرح تحديات جديدة مقابل مشاكل جديدة أيضاً، لكن علينا أن نوجّه البوصلة إلى الوجهة الصحيحة. من الدروس التي تعلمتها في حياتي أنه عندما تدلهمّ المشاكل وتصبح الامور أكثر تعقيداً، على المرء أن يعود إلى التركيز على الثوابت والأساسيات، وأن يعزل التأثيرات السلبية للعوامل التي يمكن أن تطرأ من هنا وهناك مفتعلةً الضباب حول الامور بحيث يصعب على البعض التمييز بين الخطأ والصواب، وغالباً ما يكون الضباب مفتعلاً .
بالنسبة إلينا، لبنان هو العيش الواحد ، لبنان بلد الديمقراطية والحريات والانفتاح والتلاؤم المستمر مع هذه المتغيرات، يجب أن نركز دائماً على هذه القيم من التداول السلمي للسلطة وانتمائنا العربي وتميزنا بإنساننا وبإنجازاته وكفاءاته وقدراته، وأننا نستطيع الاستمرار في مكافأة الإنجاز والتميز لدى الفرد ولدى المؤسسات، كلها قيم أساسية. عندما نضع كل هذه الأمور نصب أعيننا، وعندما نعي أهمية المحافظة على وحدة اللبنانيين، وأنه مهما كان هناك من تميز يجب علينا أن نلجأ إلى أسلوب الحوار الدائم في ما بيننا لمعالجة المشاكل ، ولكن على قواعد ثابتة قائمة على رغبتنا في استرجاع الدولة العادلة والقادرة والتي تستطيع أن تبني على هذه المقومات وعلى الاحترام الذي يحمله أبناؤها لها . الدولة التي نراها اليوم في حال ترهلٍ وتلاشٍ، ولذلك نحن بحاجة - مرة ثانية - إلى استرجاع الدولة التي لها الصلاحية الوحيدة والحصرية لاستعمال القوة ولبسط سلطتها على الأراضي اللبنانية كافة، وأن لا يكون هناك من ينازعها هذا الوجود وهذا الدور.

س : هنا أعود إلى عبارة "ما حدا اكبر من وطنه". هل تنطبق هذه المعادلة على كل فرقاء لبنان بعدما لمسنا عربياًّ، ومع الربيع العربي، أنه بالفعل ما حدا اكبر من وطنه؟ يبدو كذلك.
ج : مهما كبر الإنسان، يجب أن يكون شمعة لإضاءة ما حوله ولإضاءة الوطن ككل، وبالتالي ما حدا اكبر من بلده، هذه قاعدة كان، رحمه الله، يرددها دائما وكان يؤمن بها. كان يقول دائماً، حينما كان يستحق التقدير: الفضل في ذلك يعود إلى بلدي لبنان وإلى اللبنايين الذين قدموا التضحيات وعملوا طويلاً وبرزوا في كل أنحاء العالم، صحيح أنني أشارك في صنعه، لكن الفضل يعود إليهم.

واغتيال الرئيس رفيق الحريري هل كان اغتيالاً له ولشخصه؟ أو لدولة الرئيس؟ أو للزعيم السني القوي في لبنان؟
من أراد أن يرتكب هذه الجريمة، كان يظنّ أن المرحلة ستنتهي وبالتالي سيكون أعطى درساً للجميع بأن أحداً لم يتجرأ على رفع رأسه وأن أحداً لم يتجرأ على تحدي حاجز الصمت والخوف. كبيركُم قد نِلنا منه فماذا يتبقى؟ هذا ما أرادوه . أعتقد أنهم فشلوا . في الحقيقة، هم فشلوا بإرادة اللبنانيين، وبسبب هذه الصيغة اللبنانية، فشلوا لأن الديمقراطية والانفتاح في لبنان كانا العامِلين اللذين مكّنا الللبنانيين من الخروج إلى العالم بهذا الصوت. فشلوا لأن لبنان كان يشكل بما جرى فيه إرهاصات وبدايات لحركة الربيع العربي. هذه وجهة نظري، فعندما انطلقت هذه الانتفاضات في العالم العربي كنت دائماً أقول أن البداية كانت من لبنان، حيث انتفض اللبنانيون على محاولات القمع والسيطرة والتسلط وكبت الحريات وتخويف الناس. عندما حصلت الانتفاضات، كانت تجارب كبيرة قد اكتنزت لدى العالم العربي على مدى سنوات عدة وتفاعلت داخليا ، علماً أنه خلال هذه المرحلة كان كُثُر في العالم يقولون إن هذا العالم العربي لا يمكن أن تنشأ فيه حرية أو ديمقراطية أو انتفاضات كما كان يتوقع منه أن يقوم بذلك. عندما بدأت موجة التغيير في أوروبا الشرقية ومناطق أخرى في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانوا يقولون هذا الاستثناء العربي. الحقيقة، عندما حصلت الانتفاضة في لبنان ، قال البعض أن سنونة واحدة لا تصنع الربيع ، والواقع أنها كانت أولى تباشير الربيع العربي. إلى أن حصلت حادثة محمد بو عزيزي، وإذا ما نظر المرء إلى خارطة الوطن العربي يجد أن هذه الحادثة رسمت خارطة العالم العربي لأنها كانت تشكل جواباً على معاناة.

س :لكنها ألم ترتسم أيضاً في ساحة الحرية في لبنان؟
ج : طبيعي، فهذه السنونوة التي كنا نلمس مدى أهميتها، بدأ العالم يرمقها بكثير من التحذير.

س : ولكن قبل الربيع دولة الرئيس السنيورة، سألت : هل اغتيل الزعيم القوي السني رفيق الحريري؟ هل الزعامة القوية في لبنان ممنوعة ؟ شهدنا اغتيال عدد كبير من الزعماء: رياض الصلح، كمال جنبلاط، بشير الجميل... من يتنافس مع من؟ هل الزعامات العربية والزعامات اللبنانية ممنوعة ؟
ج: لا احد يستطيع أن ينكر أن رفيق الحريري مسلم، وأنه كان يتقدم كمرشح في الانتخابات كونه سنياًّ، وذلك وفقاً للتركيبة الانتخابية، ولا أحد يقلّل من هذا الامر على الإطلاق، وهو أمر هام جدا ، لكن رفيق الحريري لم يكن ينظر إلى نفسه على أنه زعيم سني، وإنما زعيم لبناني. لقد كان في عقله وتفكيره وممارساته ونظرته واحتضانه لكل اللبنانين إلى أي فئة انتموا ومن أي منطقة كانوا ، يشكل بالنسبة إليهم، وبالنسبة إلى تفكيره الداخلي، الانتماء إلى هذا المجموع وليس إلى فئة صغيرة ، مهما كانت هذه الفئة كبيرة. كان رفيق الحريري يمثل هذا الطموح اللامحدود لكل لبناني. نحن نقول إن بلدنا صغير، لكنه كبير جدا بطموح أبنائه وبنظرتهم وبالأدمغة اللبنانية.

س : لكن دولة الرئيس، ألا يجب أن نبلغ سن الرشد؟ هل يجب أن يبقى لبنان وزعماؤه تحت الوصاية؟ واليوم مع فورات الربيع العربي، كيف يتحرر لبنان من هذه العقدة؟
ج : في المناسبة، هناك أقصوصة تُروى عن أفلاطون تُدعى "أقصوصة الكهف". تروي أنه كانت هناك مجموعة تجلس في كهف، النار من خلفها ولا ترى سوى فقط أشباحها وخيالاتها على الحائط إلى أن تسنى لأحدٍ من ضمن المجموعة أن يخرج من الكهف ويرى العالم في الخارج كم هو مختلف عما عرفه وعاشه في الكهف، عالم آخر حيث الشمس مضيئة والهواء نظيف يتنفس بحرية ، ولما عاد إلى الكهف محاولاً أن يُخبر رفاقه عما يجري في الخارج ، لم يصدّقونه. في رأيي، إن اللبناني أحياناً ، خصوصاً لدى فئة من السياسيين، وبقدر ما يخرج إلى الدول الاخرى ويتعرف ويعرف، لكنه يبقى أسير هذه السياسات المبنية على الخلافات في الأزقة والزواريب.

س : متى يتحرر إذاً؟
لا شك في أن المرحلة التي مررنا بها من المراهقة السياسية في لبنان شارفت على النهاية، ولا يستطيع لبنان أن يتحمل مزيداً من ترف هذه الممارسات. لا يمكن أن يتحملها في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في الاجتماع ولا تحت أي عنوان أو اعتبار. آن لنا أن نرى ماذا يجري حقيقة في العالم من حولنا. أنظر إلى الامور التي كان ينبغي أن نتخذ القرارات الصحيحة بشأنها على صعيد تطبيق جملة من الإصلاحات في عالم الاقتصاد والاجتماع والإدارة ، وبالتالي نرى أننا ضيعنا فرصاً كبيرة بسبب هذه الممارسات الصغيرة.

س : معروف أنك دولة الرئيس تذكّر دائماً اللبنايين والمسؤولين في لبنان أننا بلد ماهر في تضييع الفرص، بلد الفرص الضائعة. كم وكم من المرات ذكرت "الفرص الضائعة" في مقابلات اجريتها معك سواء عندما كنت وزيراً للمال أو عندما كنت رئيساً للحكومة ، وقلت دائماً وكررت: نحن بلد الفرص الضائعة. إلى متى نستمر على هذا الحال؟
عندما أتحدث عن الإصلاح، فهذا لا يعني أنه يقتصر على الاقتصاد، لا شك في أن الجزء الكبير يصب في عالم الاقتصاد والمال وفي مستوى معيشة اللبنانيين، لكن هناك الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والإداري... لقد وَقَفَت حائلاً دون القيام بتحقيق ذلك الاحقاد أو التوترات أو محاولة النيل بسبب عدم ظهور أحدهم في الواجهة. لقد علمتنا الأيام وكل ما يجري حولنا في العالم دروساً أن الإصلاح يجب أن يتم عندما يستطيع الإنسان أو البلد أو الشركة أو المؤسسة أو الدولة ككل، القيام به وليس عندما يصبح مجبراً عليه، لأن الكلفة ستكون عندئذٍ أعلى بكثير والآلام أكبر بكثير، بينما عندما نستطيع أن نقوم بالإصلاح ونحن قادرون، تتم العملية بشكل أسلم.

س : هل نحن أمام ضياع فرصة بلوغ سن الرشد؟ اليوم، نشهد ضعضعة وتفكك الوضع الحكومي في لبنان. هل هذا خير دليل على تراجع الوصاية والرعاية السورية، والقدرة السورية على جمع ولملمة حلفاء سوريا في لبنان أو ماذا؟
كان هناك دائماً من يُتقن إضرام النار ثم يعرض خدماته لإطفائها ثم يتولى هذه العملية. اليوم، تحدث أمور تؤدي إلى محاولة استعمال قوى وأهداف وأغراض من أجل تحقيق انتصارات أو تحقيق غلبة بشكل أو بآخر، أو البعض يلعب على عواطف ونزق البعض الآخر وتوتراتهم في هذا الشأن.
اليوم، نحن نشهد كل هذه الأمور. ولذلك يجب، أولاً، ألا نفقد الأمل وأن نتمتع دائماً بإرادة المثابرة لمحاولة التغلب على المشاكل التي نمر بها، وبالتالي لنرى كيف يمكن أن نركز على الأساسيات وألا نضيع في التفاصيل ونحاول أن نلجأ إلى أسلوب المعالجات الهادئة ولكن على القواعد الثابتة للمبادىء التي يجب أن نتحلى بها.

س : من يجب أن يضع هذه القواعد هذه الأيام؟ لمن السلطة اليوم في لبنان؟
عملياًّ، السلطة الفعلية بإرادة "حزب الله" الذي يتولى مهمة ضابط الإيقاع في هذه الحكومة. سمعنا كلاماً شديد التعبير عندما وقف السيد حسن نصر الله قائلاً: ما حدا يتعّب حالو، هلأ ما في حكومة، هذه الحكومة باقية. طبيعي لا أحد يستطيع أن يدّعي القدرة على ذلك لأن نظامنا ديمقراطي.
إن هذه الحكومة، في تقديري الشخصي، وبالنسبة إلى درجة الإسفاف التي وصلت إليها، ودرجة هذا التشنج الذي لا يمكن فهمه إلا من أناس فقدوا التوازن في ممارستهم وعقلهم وفي التمييز بين ما هو في صالح البلد والمواطنين، وبين ما يعتقدون أنه في صالحهم الشخصي. هذا الوضع أوصلهم إلى النقطة التي لم يعودوا قادرين فيها على الرؤية جيداً، وبالتالي لم يعد يتوافر الاحترام، لا الاحترام لفخامة الرئيس، ولا لرئيس الحكومة ، ولا حتى للدستور، هذه القاعدة التي توافق عليها اللبنانيون من أجل ممارستهم الشأن العام وكيفية تعاونهم في ما بينهم. يجب احترام القانون كحد أدنى. اما أن يفتح الشخص دولة على حسابه، وآخر يفتح وزارة وكأنها ملكاً له ويتباهى بأنه لا يريد التوقيع على مرسوم تم التوافق عليه في مجلس الوزراء.
سأعطي مثالاً كان الشيخ بطرس حرب يرويه دائماً، عندما كنت وزيراً للمالية -في العام 1993 أو 1994 لا أذكر بالتحديد أي عام- وفي إحدى الأيام، وبعد انتهاء جلسة لمجلس الوزراء ، دعا الشيخ بطرس حرب الوزراء إلى عشاء في منزله، فذهبت برفقة زميلي أغوب دمرجيان. هناك، سألني الشيخ بطرس عن قضية كانت قد نوقشت في جلسة مجلس الوزراء واتُّخِذ القرار بشأنها، فدافعت عن قرار الحكومة. سمعني أغوب دمرجيان وأنا ادافع عن القرار، فقال لي: الآن كنت في جلسة مجلس الوزراء ولم تترك حجة إلا واستعملتها ضد القرار. فأجبته: صحيح، هذا رأيي الشخصي وأنا مقتنع بصوابية رأيي ، لكنني وزير في هذه الحكومة وقد تم التصويت على القرار وأصبح قراراً حكوميا، وبالتالي فإما أن أبقى في الحكومة وألتزم القرار أو أن أستقيل. وعليه، من يحترم نفسه يبادر إلى هذا التصرف، لا أن يفتح دكان على حسابه.
على مدى سنتين أو اكثر، جرى إيداع مبالغ في مصرف لبنان لحساب وزارة الاتصالات بلغت اكثر من ملياري دولار، صحيح أنهم موجودون في مصرف لبنان، لكن بدل أن يُحوّلوا إلى وزارة المالية لكي تستخدمهم في تسديد ما هو متوجب عليها، لكونهم أموالاً تابعة لخزينة الدولة اللبنانية، وبالتالي للمكلفين اللبنايين. ماذا يفعل مصرف لبنان؟ يضعهم في السوق المالية خارج لبنان ويكسب حوالى النصف أو الثلاثة أرباع بالمائة في معدلات الفوائد. في حين أن وزارة المالية تضطر إلى الاقتراض من الأسواق المالية بحدود 6.5 إلى 7% ، ما يعني فعلياًّ أننا ندفع خلال هذه الفترة ما يزيد عن 150 مليون دولار هدر، تحمّلهم المكلّف اللبناني بسبب عناد وزير.

س : في المناسبة، تحدثت دولة الرئيس عن زمن كنت فيه وزيراً للمالية في العام 1994 ، ولكن السيد نصر الله يتكلم عن أموال وتمويل من إيران منذ العام 1982. هل كان لديكم علم أو تقدمت بيانات بالهبات؟ كيف تدخل هذه الاموال ؟
في الحقيقة، إن ما يسمى الاستعانة بدولة غير الدولة اللبنانية، كلنا نقدره ونعرف عنه، لكننا فوجئنا بهذا التصريح للسيد نصر الله.

س : ما هو مصير هذا التصريح. ومن يحاسب من؟ وعلى ماذا؟
هذا الأمر أثبت أن هناك من يقدم كل هذا الدعم . هناك مثل لبناني يقول: ما حدا بيصلي إلا ليطلب الغفران. فإذا كانت العلاقة مع الله سبحانه وتعالى بهذا الشكل ، فكيف ستكون مع العباد. وبالتالي، هناك مصالح يجب أن تُؤدى للدولة الإيرانية . طبيعي أننا نريد أن نكون في أفضل العلاقات مع الدولة الإيرانية، علاقات مبنية على الصداقة والتعاون وقواعد احترام مبادى وقيم معينة، لا أن نلتزم بالأهداف التي تضعها الدولة الإيرانية وفقاً لمصالحها. أنا لست هنا لأحاكم الدولة الإيرانية، ولكن لا يمكنني أيضاً تقبل الطريقة التي تحصل فيها الأمور.

س : دولة الرئيس، طالما أننا نلتقي تحية لروح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ماذا ستقول لدولة الشهيد عن هذا الاداء الداخلي اللبناني في عز المتغيرات وعلى كل الأصعدة؟ ماذا تود أن تضيف لتقول له عن هذا الاداء الداخلي في لبنان؟
صحيح أنه كان معروفاً عن رفيق الحريري أنه لا يفقد الامل، وأنه إذا صمّم على تحقيق شيء يحاول دائماً القيام بتحقيقه مهما تغيرت الظروف، وصحيح أنه كان يتمتع بمرونة مستمرة بحيث لا يعيقه فشل من هنا أو إعاقة أو مشكلة من هناك، لكن أعتقد، ولو افترضنا جدلاً أنه كان بإمكانه أن يرى ماذا يجري، ربما لم يكن قادراً على أن يمنع نفسه من الشعور ببعض الخيبة، لكن، وانطلاقاً من معرفتي برفيق الحريري، فإنه لن يطول به الوقت بعدها، وسرعان ما يشمّر عن ساعديه ويعود إلى النضال الذي لا يتوقف.

س : هل خيّبتم ظنه كتيار "المستقبل"، وكـ14 آذار؟ أي جردة ستقدمون له في 14 شباط و14 آذار وتيار المستقبل خارج السلطة؟
نحن كالسفينة التي تواجه عواصف وأمواجاً عاتية ، تحيد قليلاً عن مسارها ثم تعود إلى وجهتها الصحيحة. نحن كنا وما زلنا على هذه القواعد التي ضحى من اجلها رفيق الحريري وسعى قبل ذلك من اجل تحقيقها ، تحقيق فكرة هذا الـ"لبنان" القائم على العيش الواحد والتنوع والإيمان بأنه جزء من هذا العالم العربي الذي ينتمي إليه، وعلى قيم الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وحقوق العدالة، إنها قيم أساسية .
لقد مررنا بظروف شديدة الصعوبة . من ينظر إلى كل تلك المرحلة منذ اغتيل الرئيس رفيق الحريري، يلاحظ كم واجهنا من اغتيالات، سيما في المرحلة التي كنت فيها رئيساً للحكومة، ويرى كمية ما جوبهت به من مصاعب، لكن على قدر اهل العزم تأتي العزائم، وعلى قدر الإيمان والالتزام . لقد مررنا بفترات من الاغتيالات والاعتكاف والاجتياح الاسرائيلي، ثم الاعتصام وحرب النهر البارد والأزمة المالية العالمية. كلها مصاعب، ولكن في الوقت نفسه حققنا إنجازات على صعيد المحكمة الدولية، وهي سائرة في الطريق الصحيح، وليس المقصود من الطريق الصحيح الانتقام أو التشفي على الإطلاق، بل إنهاء ما يسمى مرحلة الحق بالقتل، الحق بالتخوين ، الحق بالهروب من العدالة .
لا شك في أن هذه المحكمة تعرضت إلى الكثير من المشاكل ومحاولات التشويه والنيل منها، وما زلنا وسنبقى نتعرض، لكن المحكمة مُنعت من أن تدخل قاعة الهيئة العامة لمجلس النواب، ولو فكر بعضهم قليلاً لاعتمد هذا الأسلوب، مُنعت بالرغم من وجود أكثرية نيابية في ذلك الحين، وبالتالي سلكت طريقها عبر قرار مجلس الامن تحت البند السابع، وأصبحت عملية دولية ملزمة لا يمكن لأحد الخروج منها. سمعنا أصواتاً كثيرة، مرة عن التمويل ومرات عن البروتوكول والتمديد ، كلها عواصف في الفنجان. العدالة سـتأتي. ربما تستغرق مدة سنة أو سنتين، الله أعلم، لكنها آتية، وهناك سوابق على ذلك، إذا نظرنا إلى المحاكم التي أُقرّت بقرارات دولية ، نرى كيف أنها تقتص اليوم من الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم مهما طال الزمن.

س : في الختام، ما هو الحل سورياًّ والانعكاس لبنانياًّ وقد بدأت الإشارات شمالاً وكأنها تعكر الأجواء تماماً؟ التقيت دولتكم بقائد الجيش، وسبق أن التقيت فخامة رئيس الجمهورية. ماذا تقول اليوم سورياًّ؟ هل يمر الربيع أيضاً في سوريا؟
لقد اتخذنا موقفاً، ونحن ملتزمون به. كان موقفنا إلى جانب انتفاضات الربيع العربي وما زلنا ملتزمين في ذلك . بالنسبة لسوريا، نحن آلينا على أنفسنا ألا نتدخل في الشأن الداخلي السوري، وبالتالي يجب أن نكون منسجمين مع أنفسنا في أن لا نقبل أن تتدخل سوريا بالشأن الداخلي اللبناني ، ولذلك نحن لا نتدخل، ولكن هذا لا يعني، وبسبب ما يجري الآن في سوريا، أننا نستمر غير مبالين بما يجري، ولا سيما على الصعيدين الإنساني والمبدئي. موقفنا واضح بشأن عدم التدخل، ولكن معروف عن لبنان أنه نقطة انطلاق إعلامية يُصوّر ما يجري في العالم، وهذا امر ليس بجديد على لبنان ، بل عمره قرابة سبعين عاماً ، فلطالما كانت بعض الأنظمة تشتكي من لبنان وأنظمته. هذا هو لبنان، بلد الحرية والتنوع والفكر الوثاب .
س : ولكن هل النأي بالنفس، أي سياسة الحكومة اللبنانية، تنسحب على الإعلام أيضاً؟
هناك أمور لا يمكن أن تسير عن طريق لعبة الجوكر. هناك شخص اختُطف من لبنان، نائب رئيس وزراء سابق في سوريا اختُطف بعد ثلاثة أيام من مجيئه إلى لبنان. هل يبقى لبنان ساكتاً وينأى بنفسه؟ هذا غير صحيح. طبيعي أن هناك نوعاً من الانقسام الداخلي وبالتالي يجب معرفة كيفية إدارة الأمور بالطريقة التي تنسجم مع المحافظة على المبادىء وتجنّب لبنان في الوقت نفسه مخاطر غير متوقعة. هناك قضايا بإمكان لبنان أن ينأى بنفسه فيها، لكن ما نشهده اليوم يتخطى ذلك بكثير، هناك ضغوط يمارسها النظام السوري على لبنان لكي يغادر هذا الإجماع العربي كله ويقف حسب ما يطلب منه هذا النظام. وهذا ما لا يستطيعون القيام به.
س : وماذا يجري شمالاً؟ هل دولتكم في حالة قلق أم أن قائد الجيش ورئيس الجمهورية طمأناكم؟
كانت مناسبة للحديث ، بداية، مع فخامة الرئيس، حول نظرتنا إلى الأمور التي تحصل. ولكننا في النهاية نعود وننظر إلى الأساسيات. كنا نطالب، وما زلنا وسوف نستمر، بعودة الدولة القادرة أن تحمي حدودها ومواطنيها، والمواطنون يطالبون بانتشار الجيش اللبناني على الحدود، لكن يجب أن يأخذ هذا الاتنشار في الاعتبار الطوبوغرافيا الموجودة وطبيعة الناس والعلاقة في ما بينهم. هناك عائلات واحدة تنقسم في بلدتين، لكن في الوقت نفسه يجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن هناك أناساً لجأوا لأسباب إنسانية هرباً من القمع ومن محاولات القتل. يجب ألا ننسى أنه حين مرّ اللبنانيون بفترات صعبة ، لجأوا إلى سوريا ، وبالتالي لا نستطيع أن نقول أننا غير معنيين. هناك مسؤولية يجب تحمّلها. لكن في المقابل، نحن ضد مبدأ القيام بعمليات تهريب سلاح من قبل البعض. في هذا الأمر، نحن غير معنيين على الإطلاق، ومن مهمة الجيش قمع هذه العمليات وبالتالي أردنا، ومن خلال التعاون وحق الدولة في أن تنشر الجيش في المنطقة، ولكن أن تفهم هذه الظروف والأوضاع الطبيعية، ومن خلال الحوار والتواصل المستمر يمكن أن تعالج كل المشاكل التي يمكن أن تطرأ. تلك هي الأمور التي جرى التطرق لها سواء مع فخامة الرئيس أو مع قائد الجيش، وهناك تواصل مستمر ما بين نواب المنطقة وقيادة الجيش من اجل وضع الأمور في نصابها بحيث لا يُصار إلى أي نوع من التنكيل أو الاحتكاك أو محاولة خطف أو اعتداء من قبل البعض ، سواء كانوا لبنانيين أو لاجئين سوريين.

س : في الختام، هل تعتبر نفسك رئيس حكومة الظل ؟
هذه العبارة غير مستعملة في لبنان، وبالتالي، ولكي لا يُصار إلى إساءة فهمها يُفضّل عدم استعمالها. إنها عبارة تُستعمل في دول ديمقراطية أخرى. قال البعض إن الديمقراطية نظام سيء، لكن أردف قائلاً إنها أفضل نظام موجود. لأن أي نظام آخر، وبالرغم من وجود بعض الحسنات، له مساوئه الكثيرة مما يجعله نظام بائد بطبعه، وبالتالي نحن نرى الآن المتغيرات في العالم العربي حيث ستحلّ الروح الديمقراطية محلّ كل هذه الممارسات الخاطئة. في لبنان، النظام ديمقراطي بوجود المعارضة التي أردناها، منذ اليوم الاول، معارضة مسؤولة، وليس معارضة كما يقال "عنزة ولو طارت". هناك أمور نستطيع أن نتفق عليها ونسير بها وأمور يمكن تعديلها وبإمكان الحكومة تقديم المقبول فيها وبالتالي يمكن السير بها، اما أمور الضرر التي نراها في التجربة الحكومية الحالية، والتي بسبب العناد وقصر النظر والاحقاد وسياسة التشفي والعمى فيها تراجع الاداء الامني والاقتصادي والسياسي ، فنحن نرى كيف تفشل هذه الحكومة.
اما بالنسبة لما يحدث في الشمال، فاللبنانيون لا يريدون الاختلاف في ما بينهم. هناك من يحاول تكرار ما مررنا به في الماضي، نحن لسنا مع هذه الممارسة ولسنا مع هذه المقاربة ونحن نؤمن بأن للبنانيين المصلحة في أن يلتفوا حول بعضهم بعضاً وحول الدولة، لأنها الناظمة لهذه العلاقات في ما بينهم وبالتالي هي التي تؤمن الامن والأمان للبنانيين وتؤمن الاستقرار في حياتهم ومعيشتهم وأوضاعهم. ولذلك، أعود لأكرر أن ما يحدث فيلم قديم يعاد عرضه بشكل سيء وقد أصبح مملاًّ واللبنانيون لا يريدون ذلك وبالتالي سوف ترتد سلباً على من يفتعل هذه الأمور. وان شاء الله سيقوم لبنان مرة ثانية بالرغم من كل ما نراه، وسيستمر بأن يبقى نموذج العيش الواحد المنفتح المتراص في ما بين فئات مختلفة بطوائفه ومذاهبه التي تغني هذا التنوع وتجعله أحلى، وقادر إن شاء الله على التلاؤم مع المتغيرات القادمة.

تاريخ الخطاب: 
12/02/2012